Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 54-59)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من مقتضيات حكمتنا المتقنة أرسلنا { لُوطاً } إلى قوم خرجوا عن مقتضى حدودنا تاركين حدود حكمة التناسل والتوالد وإبقاء النوع ، مبدلين لها إلى ما هو مذموم عقلاً وشرعاً ، وعرفاً وعادة ، ومروءة وطبعاً ، اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } مستفهماً منهم على سبيل الإنكار والتوبيخ : { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } والفعلة القبيحة الشنيعة { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } [ النمل : 54 ] وتشاهدون قبحها وشنعتها وقت ما فعلتم وآتيتم . { أَإِنَّكُمْ } أيها المسرفون المتسعبدون للشهوة { لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ } الذين هم مثلكم في الرجولية { شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } مع أن الحكمة الإلهية تقتضي إيتاءهن للتناسل وبقاء النوع كسائر أنواع الحيوان ، وهؤلاء مع جهلهم لا يخرجون عن مقتضى الحكمة ، وأنتم أيها الحمقى مع أنكم مجبولون على العقل الفطري المميِّز بين الذمائم من الأخلاق والأطوار وحميدتها ، تخرجون من مقتضاها { بَلْ أَنتُمْ } بفعلتكم هذه { قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [ النمل : 55 ] منسلخون عن مقتضى العقل الإدراك المميِّز للإنسان عن سائر الحيوان ، بل أسوأ حالاً من الحيوانات العجم ؛ إذ لا يتأتى منها أمثال هذا إلا من الحمار الأرذل الأنزل ، انظروا ما هو شريككم في فعلتكم هذا أيها الحمقى المسرفون المفرطون . { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } بعدما سمعوا منه أنواع الشتنيعات والتقريعات { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } من فرط انهماكهم في الغي والضلال ، ونهاية عمههم وسكرتهم في رق شهواتهم ولذاتهم البهيمية متشاورين بينهم ، متقاولين : { أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [ النمل : 56 ] عن أفعالنا ويتنزهون ، ولا مناسبة بيننا وبينهم ، فلهم أن يخرجوا من بيننا ؛ حتى لا يتلوثوا بأفعالنا ويتنزهون ، ولا مناسبة بيننا وبينهم ، فلهم أن يخرجوا من بيننا ؛ حتى لا يتلوثوا بأفعالنا ، إنما قالوا هكذا تهكماً واستهزاءً . ثمَّ لمَّا استحقوا نزول العذاب والإهلاك ، وحان حلول البوار عليهم { فَأَنجَيْنَاهُ } أي : أخرجنا لوطاً من بينهم { وَ } أمرناه أن يخرج { أَهْلَهُ } أيضاً عنايةً منَّا إياهم { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } المائلة عليهم ، والراضية بفعلهم ؛ لأنها منهم ، لذلك { قَدَّرْنَاهَا } في سابق قضائنا { مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [ النمل : 57 ] الهالكين . { وَ } بعدما أخرجنا لوطاً وأهله من بينهم { أَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً } أي : مطر ، وهو مطر الحجارة المهلكة { فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ } [ النمل : 58 ] مطرهم الذي أمطروا به ، بحيث لم يبقَ منهم ومن مساكنهم ومواشيهم شيء أصلاً . وبعدما قصَّ سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم قصص بعد أرباب الطبقات من الأنبياء والرسل المختصين بأنواع الفضائل والكرامات الموهبة من عنده سبحانه إياهم تفضلاً عليهم وامتناناً ، أمره سبحانه بأن بادِر إلى تجديد الشكر والثناء عليه سبحانه بما أولاهم من النعم العظام ، وأعطاهم من الفواضل الجسام إيفاءً لحقوق المؤاخاة ، والاتحاد الحقيقي الواقع بين الأنبياء والرسل الكرام بعد رفع الإضافات وخلع التعينات . وقال سبحانه : { قُلِ } يا أكمل الرسل بعدما تلونا عليك بعض فضائل إخوانك تحميداً علينا من قبلهم ، وتسليماً منَّا إياهم : { ٱلْحَمْدُ } والثناء الكامل اللائق { لِلَّهِ } الواحد الأحد ، الحقيق بجميع المحامد والأثنية الصادرة عن ألسنة عموم من رش عليهم رشحات بحر وجوده ، وامتد عليهم أضلال أسمائه وصفاته بمقتضى وجوده { وَسَلاَمٌ } من سبحانه ورحمة نازلة على التواتر والتوالي { عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } واختارهم من بين البرايا التائهين في بيداء الغفلة والضلال ، وتكميل الناقصين المنحطين عن رتبة الخلافة والنيابة بميلهم إلى قاذورات الدنيا العائقة عن الوصول إلى در الخلافة التي هي التوحيد المسقط لتوهم الإضافات مطلقاً . قل يا أكمل الرسل بعدما ظهر الحق مستفهماً ، مقرعاً للمشركين المتخذين غير الله إلهاً جهلاً وعناداً : { ءَآللَّهُ } الواحد الأحد ، القادر المتقدر ، المدبر لأجله من معرفة مبدئه ومعاده { خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 59 ] له عناداً ومكابرةً من الأظلال الهالكة في أنفسها ، المجبورة تحت قهر الله وقدرته الكاملة .