Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 60-63)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ قرع عليه سبحانه من التقريعات والتوبيخات ما قرع تتمياً لردعهم ، وتكميلاً لزجرهم فقالأ : { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسباب العادية { وَٱلأَرْضَ } أي : عالم الطبيعة القابلة لقبول فيضان آثار الفواعل العلوية { وَ } من { أَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ مَآءً } محيياً أموات الأراضي اليابسة بالطبع { فَأَنبَتْنَا بِهِ } أي : بالماء بعدما أنزلناه من جانب السماء { حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } وبهاء ونضارة وصفاء { مَّا كَانَ } أي : ما صح وأمكن { لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } بل ولا شجرة واحدة من جملة أشجارها ، لولا إمداد الله وإنباته إياها { أَإِلَـٰهٌ } أي : تدعون وتدَّعون إلهاً آخر { مَّعَ ٱللَّهِ } المدبر لمصالحكم بالاستقلال والإرادة والاختيار { بَلْ هُمْ } أي : المتخذون غير الله إلهاً { قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } [ النمل : 60 ] عن الحق الصريح الذي هو التوحيد إلى الباطل الذي هو الشرك في ألوهيته ، وإثبات الغير معه في الوجود ، وادعاء استحقاق العبادة إياه عناداً ومكابرةً . { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً } أي : مقراً تستقرون عليها وتعيشون فيها ، مع ان طبع الماء يقتضي الإحاطة بجميع جوانبها ؛ بحيث لا يبدوا من كرة الأرض شيئاً خرجاً منه { وَ } بعد إبداء بعضها من الماء عنايةً من سبحانه إياكم { جَعَلَ خِلاَلَهَآ } أي : أوساط الأرض البادية { أَنْهَاراً } جارية ؛ تتميماً لأمور معاشكم عليها { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } أي : الأرض رواسي ؛ أي : جبالاً شامخات ، وسير فيها معادن الفلزات ، ومنابع المياة ومراتع الحيوانات تتميماً وتكميلاً لمصالحكم ومعايشكم . { وَجَعَلَ } من كمال لطفه ومرحمته { بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ } العذب والمالح { حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ } مانعاً ؛ لئلا يختلط ويختل نظام معاشكم عليها ؛ أي : أتدعون أيها الجاهلون { مَّعَ ٱلله } المتوحد المتفرد في ذاته ، المستقل في تصرفاته الواقعة في مملكته ؟ ! { بَلْ أَكْثَرُهُمْ } لانهماكهم في الغفلة والجهل عن الله وحق قدره وقدر ألوهيته { لاَ يَعْلَمُونَ } [ النمل : 61 ] شيئاً من آداب عبوديته ؛ لذلك ينسبون إليه سبحانه ما لا يليق بشأنه جهلاً ومكابرةً . { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ } القلق الحائر في أمره بلا رشد منه إلى مخرجه ومخلصه { إِذَا دَعَاهُ } دعوة مؤمل ضريع سواه سبحانه { وَ } من { يَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } المتفاقم على ذوي الأحزان والملمات { وَ } من { يَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } من الأسلاق الذين مضوا عليها { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد تدعوان أيها الجاهلون المسرفون المكابرون ، ومن نهاية جهلكم وغفلتكم عن ألوهية الحق ، وغاية غيكم وضلالكم عن توحيده { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ النمل : 62 ] أي : قليلاً منكم تتذكرون آلاء الله ونعمائه المتواطئة المترادفة عليكم . { أَمَّن يَهْدِيكُمْ } ويرشدكم أيها الحمقى { فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } بالنجوم الزاهرات { وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } المبشرات لتكون { بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي : بشارة بالمطر المحيي لأموات الأرضي بأنواع النباتات ، والحيوانات المبقية لأصناف المخلوقات { أَإِلَـٰهٌ } قادر على أمثال هذه الأفعال المتقنة والآثار المحكمة { مَّعَ ٱللَّهِ } المستقل بالقدرة الكاملة والحكمة الباهرة ، والرحمة العامة الشاملة تدعون وتعبدون { تَعَالَى ٱللَّهُ } المنزه في ذاته عن مشابهته للأمثال ، ومشاركته مع غيره في الآثار والأفعال ، سيما { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 63 ] له أولئك المشركون المسرفون .