Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 60-63)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } الحال أنهم { مَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ } في هذه النشأة { فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } الدنية التي هي على طرف التمام ، مشرفة على التقضي والانصرام { وَزِينَتُهَا } الزائلة الذاهبة بلا قرار ولا دوام { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ } من المعارف الحقائق ، والمكاشفات والمشاهدات لأرباب المراتب العلية ، والمناصب السنية من المنقطعين نحو الحق بعد انخلاعهم عن لوازم هوياتهم البشرية الفائضة عن التلذذ باللذات الروحانية { خَيْرٌ } لا يتخلل بينهي شيء ، ولا يعرضه ضر { وَأَبْقَىٰ } إذ لا يلحقه انصرام ولا انقضاء ، ولا زوال ولا فناء { أَ } تستبدلون أيها الحمقى الأدنى الفاني بالأعلى الباقي ، وتختارون اللذة الجسمانية على اللذات الروحانية { فَلاَ تَعْقِلُونَ } [ القصص : 60 ] ولا تستعملون عقولكم الموهوبة بمقتضاها ؛ ليتميز عندكم ما هو الأليق بحالكم ، والأولى بمآلكم ؟ ! . { أَ } تسوون الأجل الباقي بالعاجل الزائد الفاني ، مع أن الكل من عندنا وتحت قدرتنا { فَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً } أي : موعداً ذا حسن وكرامة ، وبهجة وبهاء { فَهُوَ لاَقِيهِ } أي : مدركة وموصلة إليه ؛ إذ لا خلف لوعدنا ، أتظنون وتعتقدون أيها الجاهلون أن منزلة هذا السعيد الموفق على السعادة من عندنا { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ } في هذه النشأة { مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } مكدرة بأنواع الكدورات ، مشوبة بالآلام والحسرات ، منغمسة بالخبائث والقاذورات { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } بعد انقراض النشأة الأولى { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [ القصص : 61 ] للحساب والجزاء على ما تمتعوا في النشأة الأولى ؟ ! . ثمَّ قال سبحانه : { وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن أشرك بالله ، وأثبت له شريكاً في الوجود سواه { يَوْمَ يُنَادِيهِمْ } الله المتعزز برداء العظمة والكبرياء حين ظهر على مظاهره باسم القهار ، المفني لأظلال السوى والأغيار مطلقاً { فَيَقُولُ } على مقتضى غيرته وجلاله مخاطباً لمن أشرك به شيئاً من عكوسه وأظلاله ، مع أن الكل حنيئذٍ مطموس مقهور تحت حوله وقدرته : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ القصص : 62 ] أيها المشركون شركائي ، وتعبدونهم كعبادتي عدواناً وظلماً ؟ ! ثمَّ أظهرهم الحق وأوجدهم ؛ أي : التابعين والمتبوعين جميعاً بعدما قهرهم وعذبهم جميعاً ؛ إظهاراً للقدرة الكاملة ، وإلزاماً للحجة البالغة . وبعدما أظهرهم وسأل عنهم { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ } أي : ثبت وتوجه { عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } أي : السؤال من الله ، وهم الشياطين المعبودون مناجين نحو الحق ، متضرعين قائلين : { رَبَّنَا } يا من ربانا على فطرة التوحيد ، كيف صدر منَّا أمثال هذه الجرأة ؟ ! بل { هَـٰؤُلاۤءِ } الغواة الهالكون في تيه الغي والضلال هم { ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ } عن منهج الاستقامة والسداد بأنواع التذلل والانقياد ، والإطاعة والعبادة إيانا على مقتضى أهويتهم الفاسدة ، وآرائهم الباطلة ، مع أنَّا لا نستحق بها على توهم منهم إنَّا قادرون على إنجاح ما في نفوسهم من الأماني والشهوات . ونحن أيضاً { أَغْوَيْنَاهُمْ } بأنواع التغرير والتضليل { كَمَا غَوَيْنَا } هؤلاء إيانا بعبادتهم وطاعتهم نحونا ، فتعارض إغواؤنا بإغوائهم ، وحين ظهر الحق تساطقا ، فالآن { تَبَرَّأْنَآ } عنهم وعن عبادتهم ، والتجأنا { إِلَيْكَ } تائبين آيبين ، مع أنهم { مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [ القصص : 63 ] حين ادعوا عبادتنا ، بل إنما عبدوا أهوية نفوسهم ، وأماني قلوبهم ، وتوسلوا بنا فيها ، والعابدون أيضاً يتبرؤون عن معبوداتهم بأشد من ذلك .