Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 31-37)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما استحقوا الإهلاك والاستئصال بإصرارهم عليها وعدم امتناعهم عنها مع كونهم مجاهرين بها ، مفاخرين بإظهارها ، أخذناهم بغتة واستأصلناهم مرة { وَ } ذلك { لَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ } أي ليبشروه بهبة الولد والنافلة { قَالُوۤاْ } مخبرين له عن طريق الوحي من الله : { إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ } يعني : سدوم ، وجاعلوها منقلبة على أهلها { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } [ العنكبوت : 31 ] خارجين عن مقتضى الحدود الإلهية ، منقلبين الحكمة البديعة بالبدعة الشنيعة . ولما سمع إبراهيم عليه السلام منهم ما سمع { قَالَ } مضطرباً قلقاً : { إِنَّ فِيهَا لُوطاً } من خُلص عباد الله { قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ } منك { بِمَن فِيهَا } بتعليم الله إيانا { لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ } مما سيصيب قومه بأمر الله علينا بإنجائه ، ومن معه من أهل بيته والمؤمنين له { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } [ العنكبوت : 32 ] الهالكين لنفاذ قضاء الله على هلاكها فيهم ؛ إذ هي من جملتهم ومن عدادهم وفي زمرتهم . { وَ } بعدما بشروا إبراهيم بما بشروا ، وأخبروا له ما أخبروا توجهوا نحو لوط ، اذكر يا أكمل الرسل { لَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ } أي : فجاءته المساءة والسآمة والكرب بقدومهم { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } أي : ضاف ذرع طاقته بنزولهم ؛ إذ اشتد عليه حفظهم عن أهل القرية ، وضاقت طاقته عن تدبير خلاصهم له منهم ؛ لأنهم جاءوا على صورة صبيان صباح ملاح ، أمارد في غاية الحسن وكمال الجمال ، فهم مشغوفون بطلب أمثالهم { وَ } لما تفرس الرسل منه الخوف والحزن والضجرة وأنواع الغموم والهموم العارضة لهم من إلمامهم إياه { قَالُواْ } له تفريجاً لهمه : { لاَ تَخَفْ } يا لوط إضرارهم بنا { وَلاَ تَحْزَنْ } من لحوق العار عليك بسببنا ؛ لأنا رسل ربك ، أرسلنا الله لنصرك وتأييدك وإنزال العذاب على قومك ، ولا تحزن أيضاً تعذيبنا لك ولمن تبعك { إِنَّا } بأمر ربنا { مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } مما يصيبهم من العذاب والهلاك { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ } [ العنكبوت : 33 ] الهالكين ، هكذا ثب تفي حضرة علم الله ولوح قضائه . ثم فصلوا له العذاب وقالوا : { إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : عذاباً ذا رجز ؛ أي : قلقاً واضطراباً يقلق المضطرب المعذب ، ويضطربه اضطراباً شديداً حين نزوله { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [ العنكبوت : 34 ] اي : بفسقهم الذي باهوا به وتمادوا فيه مجاهرين مصرين . { وَلَقَد } بعدما انتقمنا منهم وأخذناهم بفسقهم { تَّرَكْنَا } وأبقينا { مِنْهَآ } أي : من حكايتهم وقصتهم { آيَةً بَيِّنَةً } أي : عبرة ظاهرة لائحة { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ العنكبوت : 35 ] حتى يستعلموا عقولهم في مواضع العبر ، ويتأملون فيها معتبرين منها مستبصرين بها ، فاعتبروا يا أولي الأبصار ، واعلموا أن الأبرار إنما يتميزون عن الأشرار بالاعتبار والاستبصار . بصرنا الله بعيوب نفوسنا ، وجعلنا من المعتبرين بعيوب الغير عند وجوده . { وَ } أرسلنا أيضاً { إِلَىٰ مَدْيَنَ } حين ظهر فيه الخيان في المكيلات والموزونات { أَخَاهُمْ شُعَيْباً } ليصلح ما فيهم من المفاسد { فَقَالَ } بعدما بعثناه إليهم منادياً لهم ليقبلوه ويطيعوا أمره : { يٰقَوْمِ } أضافهم إلى نفسه ؛ لكمال العطف والشفقة وإمحاض النصح { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد ، الحقيق بالعبادة والإطاعة { وَٱرْجُواْ } من الله { ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ } أي : ائتوا بالإيمان والإخلاص والعمل الصالح ، راجين من الله الثواب في يوم الجزاء { وَ } عليكم أن { لاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } ولا تتحركوا عليها حال كونكم { مُفْسِدِينَ } [ العنكبوت : 36 ] لمصالح عباد الله وأمور معاشهم ومعادهم . وبعدما سمعوا مقالتهم { فَكَذَّبُوهُ } فجاءوا بتكذيبه بلا مبالاة له وبكلامه فاستحقوا المقت العظيم { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } أي : الزلزلة الشديدة مع الصيحة الهائلة { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ } التي بنوها للحياة والمعاش { جَاثِمِينَ } [ العنكبوت : 37 ] مائتين هالكين باركين على ركبهم ، ساقطين على وجوههم .