Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 38-40)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل { عَاداً } المبالغين في الظلم والعدوان { وَثَمُودَاْ } المتجاوزين عن مقتضى حدود الله بالبغي والطغيان { وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم } وظهر عندكم ولاح عليكم أيها الناظرون المعتبرون عتوهم واستكبارهم { مِّن مَّسَاكِنِهِمْ } الرفيعة وحصونهم الحصينة المنيعة { وَ } ذلك بأنهم قوم { زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } وحسنها في نفوسهم فاستبدوا بها { فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي : أعرضهم الشيطان بتزيين أعمالهم الفاسدة عن الصراط المستقيم والطريق المستبين { وَ } هم { كَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } [ العنكبوت : 38 ] متمكنين ، قادرين على الاستبصار والاعتبار ، فلم يعتبروا ؛ إذ لم يُسلب عنهم لوازم عقولهم ، بل لبَّس عليهم الشيطان أفعالهم وحسن عندهم أعمالهم ، فظنوا أنهم مهتدون وما كانوا مهتدين . { وَ } اذكر يا أكمل الرسل { قَارُونَ } المباهي بالمال والنسب على أهل عصره وزمانه { وَفِرْعَوْنَ } المستعلي بالسلطنة والملك إلى أن تفوه من غاية عتوه واستكباره بدعوى الألوهية لنفسه { وَهَامَانَ } وزيره ، قد تفوق على أقرانه وأهل زمانه بالثروة والجاه والنيابة الكاملة وعلو المكانة والمنزلة بين الأنام { وَ } من كمال تعنت هؤلاء المفسدين المسرفين واستعلائهم { لَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ } بوحينا رسولاً منا ؛ ليهديهم إلى طريق الحق وصراط مستقيم ، فكذبوه ولم يبالوا به وبكلامه مع كونه مؤيداً { بِٱلْبَيِّنَاتِ } القاطعة والمعجزات الساطعة { فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } على الله وعلى رسله وعموم عباده وانصرفوا عن مطلق أوامره ونواهيه منكرين وجوده وإرساله ووحيه عناداً ومكابرة { وَ } مع ذلك { مَا كَانُواْ سَابِقِينَ } [ العنكبوت : 39 ] بنا ، حافظين نفوسهم عن إدراك عذابنا إياهم وانتقامنا منهم . { فَكُلاًّ } منهم { أَخَذْنَا بِذَنبِهِ } الذي صار علة لبطشه وانتقامه على مقتضى عدلنا ، ثم فصل سبحانه أخذه إياهم بعدما أجمل ، فقال : { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً } أي : ريحاً عاصفاً فيها حصباء ، رميناهم ورجمناهم بها كقوم لوط وعاد { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ } الهائلة كثمود وأصحاب مدين { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } كقارون وما معه من زخارفه التي هي سبب طغيانه وبغيه { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا } كقوم نوح وفرعون وهامان وجميع جنودهما { وَ } ما أخذنا كلاً منهم إلا بذنوب عظيمة صدرت عنهم على سبيل الإصرار والاغترار ؛ إذ { مَا كَانَ ٱللَّهُ } المستوي على العدل القويم والطريق المستقيم وما صح عليه وحق له سبحانه { لِيَظْلِمَهُمْ } ويأخذهم بلا ذنب صدر عنهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت : 40 ] أي : هم كانوا يظلمون أنفسهم باستجلاب عذاب الله عليها بارتكاب أسبابه وموجباته ، وعرضها على غضب الله بالخروج عن مقتضى أوامره ومنهياته ، وما ذلك إلا من رسوخ التقليدات التخمينات في نفوسهم ، واستقرار الرسوم والعادات في جبلتهم ؛ لذلك أصروا بما هم عليه وانصرفوا عن سواء السبيل وكذبا الرسل الهادين إليه ، وأنكروا عليهم عتوّاً واستكباراً ، فهلكوا خساراً وبواراً .