Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-49)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعدما سمعتم أيها المؤمنون خطاب ربكم مع نبيكم { لاَ تُجَادِلُوۤاْ } ولا تخاصموا { أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } أي : الأحبار الذين واظبوا على محافظة كتاب الله المنزل إليهم واستنبطوا منه الأحكام ، وامتثلوا بأوامره واجتنبوا نواهيه { إِلاَّ بِٱلَّتِي } أي : بالطريق التي { هِيَ أَحْسَنُ } الطرق ، وأبعد عن المكبرة وأقرب إلى الصواب ، هينين لينين معهم بلا قلق واضطراب وفضول الكلام ماداموا متصفين معتدلين بلا ميل منهم وانحراف إلى المكابرة والاعتساف { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } جهلاً وعناداً ، وخرجوا عن منهج الصواب بغياً وعدواناً { وَقُولُوۤاْ } لهم على مقتضى ما أُمرتم به في كتابكم : { آمَنَّا } وصدَّقنا { بِٱلَّذِيۤ } أي : بالكتاب الذي { أُنزِلَ إِلَيْنَا } من ربنا على طريق الوحي لنبينا { وَ } آمناً أيضاً بالكتاب الذي { أُنزِلَ إِلَيْكُمْ } منه سبحانه وحياً على نبيكم { وَ } كيف لا نؤمن لكتابكم ونبيكم ؛ إذ { إِلَـٰهُنَا } الذي أنزل علينا كتاباً { وَإِلَـٰهُكُمْ } الذي أنزل عليكم أيضاً كتاباً { وَاحِدٌ } لا تعدد فيه ولا شريك له ، ولا مثل له يمثاله ولا كفو له يشابهه { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ العنكبوت : 46 ] مؤمنون ، منقادون ، مطيعون وبجميع ما حكم به سبحانه في كتبه وعلى ألسنة رسله مصدقون ممتثلون إلا ما نسخ في كتابنا . { وَ } كيف لا يقول لهم المؤمنون هكذا ولا يؤمنون بالكتب المنزلة من عندنا { كَذَلِكَ } وعلى ذلك { أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل { ٱلْكِتَابَ } الجامع لما في الكتب السالفة ؛ لتكون أنت ومن تبعك مؤمنين مصدقين لجميع الكتب والرسل بلا تفرقة ولا تفاوت { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } قبل كتابك { يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي : بكتابك ويصدقون بك أيضاً ، كذلك على الوجه الذي وعدناهم في كتبهم من أنَّا سنرسل رسولاً موصوفاً بأوصافٍ ما بيناه لهم في كتبهم ، ومعه كتاب جامع مصدق لجميع الكتب السالفة والرسل السابقة ، وإن كان مشتملاً على النسخ والتبديل لبعض أحكام الكتب السالفة على مقتضى سنتنا القديمة وعادتنا المستمرة من نسخ بعض الأحكام السابقة باللاحقة . { وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ } أي : الأعراب { مَن يُؤْمِنُ بِهِ } أي : بهذا الكتاب وإن لم يسبق لهم وعد ؛ لأنهم ليسوا من أهل الكتاب في وقت من الأوقات ، بل إنما آمنوا به ، لكونهم من أرباب اللسن والفصاحة ، تأملوا في نظام ألفاظه العجيبة واتساق معانيه الدبيعة ، وانكشف لهم أ ، ه ما هو من جنس كلام البشر ، فجزموا بإعجازه وآمنوا به ، فصدقوه أنه نازل من عند الله على سبيل الوحي { وَ } بالجملة : { مَا يَجْحَدُ } وينكر { بِآيَاتِنَآ } الظاهر الإعجاز ، العجيبة الشأن ، الباهرة البيان { إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } العنكبوت : 47 ] الساترون نور الهداية والإيمان بظلمة الكفر والطغيان عناداً ومكابرة . { وَ } كيف لا يكون القرآن وحياً نازلاً من عند الله بمقتضى إرادته ؛ إذ { مَا كُنتَ } يا أكمل الرسل { تَتْلُواْ } وتتعلم { مِن قَبْلِهِ } أي : قبل القرآن ونزوله { مِن كِتَابٍ } من الكتب المنزلة { وَلاَ تَخُطُّهُ } وتنسخه { بِيَمِينِكَ } على سبيل النقل ؛ يعني : ما كنت من أهل النسخ والإملاء والكتابة ؛ إذ هي مسبوقة بالتعليم وأنت أمِّي ، عارٍ عن الدراسة والكتابة والتعلم مطلقاً ، ولم يعهد منك أمثال هذه الأمور الدالة على الأخذ والاستنباط ، ولو كنت متصفاً بها وأهلاً لها { إِذاً لاَّرْتَابَ } شك و تردد { ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] المجاهرون بالقول الزور الباطل في شأنك وفي شأن كتابك وكونه معجزاً ، مع أنه ما هو - أي : القرآن - حينئذ أيضاً محل ارتياب ؛ لأنه في نفسه باعتبار نظمه العجيب البديع ومعانيه الغريبة وأسلوبه المحكم معجز خارق للعادة عند من له أدنى دربة في أساليب الكلام ، ولا ينبغي لأحد أن يشك في إعجازه إلا من هو متناهٍ في البلادة وسخافة العقل وركاكة الفهم . { بَلْ هُوَ } أي : القرآن في نفسه { آيَاتٌ } ودلائل دالة على توحيد الحق { بَيِّنَاتٌ } واضحات الدلالات في أنفسها ، ثابتات { فِي صُدُورِ } الموحدين { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } اللدني المترشح من حضرة العلم الإلهي ، المفاض لهم منها محسب استعداداتهم وقابلياتهم تفضلاً عليهم وامتناناً لهم { وَ } بالجملة : { مَا يَجْحَدُ } وينكر { بِآيَاتِنَآ } مع قواطع برهانه وسواطع تبيانه { إِلاَّ } القوم { ٱلظَّالِمُونَ } [ العنكبوت : 49 ] الخارجون عن مقتضى العلم والعين والكشف والشهود .