Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 50-54)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } من غاية بغضهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشدة شكيمتهم وضغينتهم معه { قَالُواْ } مقترحين منه على سبيل التعجيز والإنكار : { لَوْلاَ } أي : هلاَّ { أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } إن كان صادقاً في دعواه كالآيات التي نزلت على الأنبياء الماضين مثل : ناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى وسائر معجزاته ، وغير ذلك { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل كاملاً ناشئاً عن محض الحكمة ، خالياً عن وصمة الشبهة ، { إِنَّمَا ٱلآيَاتُ } كلها { عِندَ ٱللَّهِ } أنزلها وفي قبضة قدرته ، وعلى مقتضى إرادته ومشيئته حتى تعلقت إرادته بإنزال آية منها ، أنزلها على من أنزلها إرادةً واختياراً { وَ } ليس في وسعي وطاقتي ولا في وسع كل من مضى قبلي من الأنبياء والرسل إنزال عموم ماطلبتم ، وإتيان جميع ما اقترحتم من الآيات وكذا حال الأنبياء الماضين مع أممهم المقترحين عليهم بالآيات ، بل { إِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ } من قبل الحق إياكم { مُّبِينٌ } [ العنكبوت : 50 ] ظاهر الإنذار والتخويف ، وكل من الأنبياء والرسل أيضاً كانوا كذلك بالنسبة إلى إممهم ؛ إذ نحن معاشر الأنبياء والرسل ما لنا إلا التبليغ والإنذار على مقتضى الوحي والإلهام الإلهي بلا تخويف منا وتبديل ، وأمَّا التنزيل والإنزال من قبل الحق ، والقبول منكم فموض إلى القادر الحكيم . ثم قال سبحانه على المقترحين وتقريعاً لهم : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } ولم يغنهم من جميع الآيات التي اقترحوا عنك يا أكمل الرسل { أَنَّآ أَنزَلْنَا } من مقام جودنا ولطفنا معك { عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } الجامع لما في الكتب السالفة ، المحتوي على أحوال النشأتين على الوجه الأبلغ مع أنه لا يغيب عنهم ، بل { يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } ويُقرأ عندهم دائماً بخلاف سائر الآيات ، فإنها كما ظهرت غابت هي وأثرها وهو وأثرها حاضر عندهم غير مغيب عنهم ، وبالجملة : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الكتاب الذي هو في نفسه آيات عظيمة الفوائد ، دائمة العوائد ، غير منقطعة آثارها عن من تمسك بها واستهديا { لَرَحْمَةً } أي : نعمة عامة نازلة من قبل الحق { وَذِكْرَىٰ } أي : عظة وتذكيراً شاملاً لعموم عباده ، ملقاه من عنده سبحانه { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ العنكبوت : 51 ] بتوحيده وأسمائه وصفاته ، ويصدقون المبدأ والمعاد والعرض والجزاء والفوز بشرف اللقاء جميع ما وعد لهم في النشأة الأخرى . ثم لما أتى قوم من ضعفاء المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف رُقم فيها بعض أراجيف اليهود وأقوايلهم الكاذبة ، متبركين بها ، متيمنين بما فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم مبغضاً عليهم : كفى بضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم من قبل ربهم إلى ما جاء به غير نبيهم ، وصدقوا ما جاء به غير نبيهم مع أنه كذب مفترى ، وكذبوا ما جاء به النبي مع أنه صدق مطابق للواقع ، فنزلت حينئذ تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } يا أكمل الرسل للمكذبين لك وبما جئت به مصدقين لأعدائك وبما جاءوا به : { كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أيها المكابرون { شَهِيداً } حاضراً معي ومعكم مطلقاً ، على حالي وحالكم وما جرى في ضميري وضمائركم ؛ إذ هو سبحانه { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري جميع { مَا } ظهر { فِي ٱلسَّمَٰوَ } ما ظهر في { ٰتِ وَٱلأَرْضِ } وكذا ما ظهر بينهما ما بطن فيهما ، فيجازي كلاً منا ومنكم على مقتضى علمه بنا وبكم . { وَ } كيف لا يجازي القادر المقتدر على انتقام عصاة عباده { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وأطاعوا { بِٱلْبَاطِلِ } الذي هو بمراحل عن الحق والصدق { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } الحق الحقيق بالحقية ، المستوي على منهج الصدق والصواب ، وأعرضوا عن إطاعته وانقياده عناداً وكابرةً ، وبالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المطرودون عن ساحة عز الحضور ، والأشقياء المحرومون عن سعة رحمة الملك الغفور { هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ العنكبوت : 52 ] المقصورون على الخسران الخذلان ، لا يُرجى ربحهم وتفريجهم أصلاً . { وَ } من غاية غيِّهم وضلالهم ، ونهاية انهماكهم في بحر الغفلة والغرور { يَسْتَعْجِلُونَكَ } تهكماً استهزاءً { بِٱلْعَذَابِ } واستهزاءً بك الذي أنذرتهم بوحي منا إليك بنزوله إياهم من كمال إنكارهم وتكذيبهم { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } ووقت معين موعود ، مثبت في لوح قضائنا { لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } اليوم فجأةً عاجلاً ؛ لاستحقاقهم بنزوله إلا أنه مؤقت موعود على مقتضى سنتنا القديمة المستمرة من ترهين الأمور على الأوقات المعينة المثبتة في لوح القضاء وحضرة العلم . قل لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا : لا تغتروا بإمهالنا إياكم زماناً { وَ } الله { لَيَأْتِيَنَّهُمْ } ولينزلن عليهم العذاب الموعود { بَغْتَةً } أي : دفعة وفجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ العنكبوت : 53 ] ولا يطلعون بنزوله وأمارات إتيانه . ومن غاية عمههم وسكرتهم وكمال انهماكهم في أسباب العذاب وموجباته ولوازمه { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } ظناً منهم أن ما هم عليه إنما هو من موجبات الثواب وأسباب النجاة الجنة ، بل هي عينهما ؛ إذ لا إيمان لهم بالنشأة الأخرى وما فيها ، كيف لا يعذبون في النشأة الأخرى ولا يدخلون النار { وَإِنَّ جَهَنَّمَ } الموعودة فيها لهم { لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } [ العنكبوت : 54 ] محتوية عليهم الآين في النشأة الأولى باعتبار أسبابها وموجباتها ؟ ! .