Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 100-103)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما وبخ سبحانه الكافرين القاصدين إضلال المؤمنين بما وبخ وبالغ توبيخهم بما بالغ ، أراد أن يحذر المؤمنين عن مخالطتهم وموافاتهم ، فناداهم ؛ لأنه دخل في قبول النصح فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وفقوا على تشريف الإيمان ، مقتضى إيمانكم الاجتناب عن مخالطة الكفار ومؤاخاتهم وادعاء المحبة والمودة معهم ؛ لأنكم { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } طائعين قاصدين إطاعتهم وانقيادهم { يَرُدُّوكُم } البتة { بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } وتوحيدكم { كَافِرِينَ } [ آل عمران : 100 ] مشركين ما أنتم عليه في جاهليتكم . " نزلت في فرقة من الأوس والخزرج كانوا يجتمعون ويتحدثون ويتناشدون ، فمر على اجتماعهم شاس بن قيس اليهودي ، فغاظه مؤاخاتهم ومخالطتهم ، فأمر بشاب من اليهود أن يجلس إليهم ، ويذكرهم يوم بعاث ، وينشدهم بعض ما قيل فيه ، وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس ففعل ، فتنازع القوم وتفاخروا إلى تغاضبوا وتخاصموا ، وصاحوا : السلاح ! واجتمع من الجانبين خلق عظيم . وتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقال لهم : " أتدعون الجاهية ، وأنا بين أظهركم بعد ، إذ أكرمكم الله بالإسلام وشرفكم بالإيمان والتوحيد الرافع لجميع الخصومات " فعلموا أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح و استغفروا وتعانقوا وتحابوا ، وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " . { وَ } لذلك قال لهم : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ } يا أيها المؤمنون بالله الواحد الأحد الفرد الصمد { وَ } الحال أنكم { أَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ } الدالة على توحيده { وَ } مع ذلك { فِيكُمْ رَسُولُهُ } المرسل إليكم المولي لأموركم { وَمَن يَعْتَصِم } منكم { بِٱللَّهِ } ويتبع رسوله المنزل من عنده بتوحيده الذاتي { فَقَدْ هُدِيَ } واهتدى { إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ آل عمران : 101 ] يوصله إلى صفاء الوحدة . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } معظم أموركم في محافظة الإيمان المؤدي إلى الكشف والعيان ، التقوى والاجتناب عن محارم الله ومنهياته ، والتحلي بأوامره ومرضياته { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المطلع لجميع حالاتكم { حَقَّ تُقَاتِهِ } خالية عن الميل والرياء والبدع والأهواء المضيفة إلى الإلحاد والزندقة { وَ } اجتهدوا أيها المؤمنون أن { لاَ تَمُوتُنَّ } عن هويتكم { إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] مخلصون في الاعتصام بحبل التوحيد والإيمان ، مخلصون عن ربقة التقليد والحسبان . { وَ } بعد موتكم عن أنانيتكم { ٱعْتَصِمُواْ } أيها المخلصون الموقنون { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } الممتد من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات ، وارفعوا أنانيتكم وهويتكم عن البين { جَمِيعاً } حتى لايبقى توهم الغير والسوى مطلقاً ، وتخلص نفوسكم عن مشتهياتها ومستلذاتها الفانية ، وتصل إلى الحياة الأزلية والبقاء السرمدي { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أي : لا تتفرقوا بمقتضيات أوهامكم المتفرعة على هوياتكم الباطلة عن الحقية الحقيقية { وَ } بعدما وصلتهم بمقام الجمعية والوحدة الذاتية { ٱذْكُرُواْ } أيها العكوس والأظلال { نِعْمَتَ ٱللَّهِ } المتجلي فيكم بذاته المتفضل { عَلَيْكُمْ } بلا عوض ولا غرض { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً } بعداء متروكين في ظلمة العدم . { فَأَلَّفَ } سبحانه بتجلياته الجمالية على مرأة العدم { بَيْنَ قُلُوبِكُمْ } في قضاء الإمكان ، بأن يجعلكم أزواجاً وبنين وحفدة ، متظاهرين بعضكم ببعض على مقتضى الإضافات ، ورقائق المناسبات الرافعة بين الأوصاف والأسماء الإلهية { فَأَصْبَحْتُمْ } بعدما تيقظتم عن منام الإمكان { بِنِعْمَتِهِ } التي هي التوفيق والإقدار على طلب الرشد والرشاد { إِخْوَاناً } مجتمعين في فضاء الوحدة بلا توهم الكثرة المستدعية للعداوة والخصومة . { وَ } الحال أنكم { كُنْتُمْ } في طغيان الإمكان { عَلَىٰ شَفَا } طرف { حُفْرَةٍ } مُلئت { مِّنَ ٱلنَّارِ } مشرفين بالوقوع فيها ، وهي حفرة العدم المباين لقضاء الوجود ، المملوءة بنيران البعد والخذلان { فَأَنقَذَكُمْ } الله ؛ أي : أنجاكم وخلصكم { مِّنْهَا } بلفطه ، بأن أودع فيكم العقل الجزئي المتشعب من العقل الكلي العائد إليه { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ } الهادي { لَكُمْ } دائماً مستمراً إلى توحيده الذاتي { آيَاتِهِ } آثار أسمائه وأوصافه الدالة على ذاته { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ آل عمران : 103 ] رجاء أن تهتدوا منها إليها لغاية ظهورها ووضوحها .