Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 17-21)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أشار سبحانه إلى أسباب النجاة والخلاص عن الوعيدات الأخروية ، ونيل لذاتها ومتنزهاتها الروحانية ، فقال : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي : سبحوا الله الواحد الأحد الصمد ، المنزه عن شوائب النقص وسمات الكثرة مطلقاً أيها الأحرار المتوجهون نحو في السرائر والإعلان ، سيما { حِينَ تُمْسُونَ } وتدخلون في المساء الذي هو أول وقت الفراغ عن الشواغل الجمسانية ، وفتح باب الخلوة مع الله ، والعزلة عن أسباب الكثرة مطلقاً { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] وتدخلون في الصباح الذي هو نهاية مرتبة خلوتكم مع ربكم ، فاغتنموا الفرصة فيه ، وتعرضوا للنسمات المهبة بأنواع النفحات من قِبَل الرحمن . وبعدما تزودوا بأنواع الفتوحات الروحانية في تلك الساعة الشريفة التي هي البرزخ بين اللذائذ الروحانية والجسمانية فاشتغلوا بالأشغال الجسمانية المتعلقة لتدبير المعاش النفساني . { وَ } لكم أيها المتوجهون نحو الحق أن تحمدوه وتشكروا نعمه ، وتداوموا على أداء حقوق كرمه في خلال أيامكم ولياليكم ، سيما طرفي النهار ؛ إذ { لَهُ ٱلْحَمْدُ } والثناء الصادر عن ألسنة جميع ما { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَ } ما في { ٱلأَرْضِ } من المظاهر التي لمع عليها برق الوجود ، وانبسطت أظلال شمس الذات وأضواؤها { وَ } لا سيما { عَشِيّاً } إذ هو وقت مصون عن الكثرة { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 18 ] أيضاً ؛ إذ فيها يحصل الفراغ عن أمور المعاش غالباً . وكيف لا يتوجهون نحو الحق ، ولا يديمون الميل إلأيه في أوقات حياتهم ؛ إذ هو سبحانه بمقتضى لطفه وجماله { يُخْرِجُ } ويظهر بكمال قدرته { ٱلْحَيَّ } أي : ذا الحس والحركة ، والإرادة التي هي أنواع الحيوانات { مِنَ ٱلْمَيِّتِ } الذي هو النطفة الجامدة { وَ } كذا { يُخْرِجُ } ويظهر بمقتضى قهره وجلاله { ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } يعني : يعقبه الموت بالحياة ، والحياة بالموت { وَ } من كمال قدرته { يُحْي ٱلأَرْضَ } بأنواع النضارة والبهاء { بَعْدَ مَوْتِهَا } أي : يبسها وجمودها { وَكَذَلِكَ } أي : مثل إعادة الحياة النضارة للأرض وقت الربيع { تُخْرَجُونَ } [ الروم : 19 ] من قبوركم أيها المنكرون للبعث والحشر وإعادة المعدوم . { وَمِنْ آيَاتِهِ } الدالة على كمال قدرته على الإعادة والإبداء على السواء : { أَنْ } أي : إنه { خَلَقَكُمْ } وقدر جسمكم وصوركم أولاً { مِّن تُرَابٍ } يابس ، ثمَّ بلدكم أطواراً وأدواراً ؛ لتكميلكم وتشويقكم إمداداً و أدواراً إلى أن صوركم في أحسن صورة ، وعدلكم في أقوم تعديل { ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ } أي : بعدما كمَّل صورتكم ، وتمم تمثالكم وشكلكم ، واستوى بشريتكم فاجأتم { تَنتَشِرُونَ } [ الروم : 20 ] في الأرض على سبيل التناسل والتوالد ، ومن قدر على إبدائكم وإبداعكم على الوجه المذكور قدر على حشركم وإعادتكم ، بل هو أسهل من الإبداء . { وَ } أيضاً { مِنْ آيَاتِهِ } الدالة على كمال قدرته : { أَنْ خَلَقَ } وقدر { لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أي : من جنسكم وبني نوعكم { أَزْوَاجاً } نساءً ؛ حتى تؤانسوا بهن وتستأنسوا بهن ، بل إنما قدر لكم أزواجاً { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } وتتوطنوا معها توطناً خاصاً ، وتألفاً تاماً إلى حيث يفضي إلى التوالد والتناسل { وَ } بهذه الحكمة البديعة { جَعَلَ بَيْنَكُم } وبينهن { مَّوَدَّةً } خاصة خالصة ، منبعثة عن محض الحكمة الإلهية بحيث لا يكتنه لميتها وكيفيتها أصلاً . { وَ } من كمال قدرته ومتانة حكمته : جعل من امتزاج النطفة النازلة منكم ومنهن ، الناشئة من المودة المذكورة ، والمحبة المقررة بينكم { رَحْمَةً } ولداً مثلكم ، ومحيياً لكم اسمكم ورسمكم { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الخلق والإيجاد ، والتكميل والتمكن ، والتقدير والانبعاث ، والانزعاج وأنواع التدبيرات الواقعة فيها ، والحكم العجيبة المحيرة لأرباب الفطنة والذكاء { لآيَاتٍ } عظام ودلائل جسام { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : 12 ] في آثار صنائع الحكيم القدير ، والعليم الخبير البصير .