Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 48-53)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فكيف لا يقبل منهم أولئك البعداء ، المنكرون المسرفون وحي العحق إياهم وإلهامهم عليه ، مع أنه { ٱللَّهُ } الجامع لجميع مراتب الأسماء والصفات الظاهرة ، المتجلي على مقتضاها بالاستقلال إرادةً واختياراً { ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ } المنتشئة من محض فضله وجوده بلا سبق سبب يوجبها ، وعلة تقتضيها على ما جرى عليه عادته سبحانه في سائر الموجودات { فَتُثِيرُ } وتحرك أجزاء البخار والدخان ، ويمتزج بعضها مع بعض فتركمها وتكشفها حتى صارت { سَحَاباً } هامراً { فَيَبْسُطُهُ } سبحانه { فِي } جو { ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ } عرضاً وطولاً ، سائراً وواقفاً ، مطبقاً وغير مطبقٍ ، إلى غير ذلك من الأوضاع الممكنة الورود عليها . { وَ } بعدما مهدة سبحانه وبسطه { يَجْعَلُهُ كِسَفاً } أي : قطعاً مختلفة { فَتَرَى } أيها الرائي { ٱلْوَدْقَ } المطر { يَخْرُجُ } ويفيض { مِنْ خِلاَلِهِ } وفتوقه بعدما تكوَّن فيه بقدرة الله من اجتماع أجزاء الأبخرة والأدخنة المتصاعدة الممتزجة ، المتراكمة المتكاثفة ، المتفاعلة بعضها مع بعض إلى أن صارت ماء فتقطر وتسيل { فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ } أراضي { مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } عنايةً منه سبحانه إياهم ، وتفضلاً عليهم { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الروم : 48 ] أي : فوجئوا بنزوله إلى أنواع الاستبشار والابتهاج ، والفرح والسرور متفائلين بنزوله إلى الخصب والرخاء ، وأنواع البهجة والصفاء . { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ } المطر { مِّن قَبْلِهِ } أي : من قبل ثوران الأبخرة والأدخنة ، وانعقاد السحب وتراكمها منها { لَمُبْلِسِينَ } [ الروم : 49 ] آيسين قانطين ؛ لطول عهد عدم نزوله إياهم . { فَٱنظُرْ } أيها المؤمن المعتبر ، الناظر بنور الله { إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ } وكمال فضله وجوده { كَيْفَ يُحْيِ } ويخضر { ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } أي : جمودها ويبسها ، وعدم نضارتها ونزاهتها ، ويظهر أنواع الأزهار والأثمار عنايةً منه سبحانه لعباده ، وفضلاً لهم ؛ ليتزودوا بها ويسلكوا سبيل هدايته وتوحيده { إِنَّ ذَلِكَ } القادر المقتدر بالإرادة التامة و الاختيار الكامل { لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ } ومخرجها ألبتة من قبورها وقت تعلق إرادته بإحيائها { وَ } كيف لا { هُوَ } بذاته { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة حضرة علمه وإرادته { قَدِيرٌ } [ الروم : 50 ] على الوجه الأتم الأكمل بلا فتور وقصور ؟ ! . { وَ } من عدم رسوخهم في الدين القويم ، وقلة تثبتهم على الصراط المستقيم { لَئِنْ أَرْسَلْنَا } عليهم { رِيحاً فَرَأَوْهُ } أي : ما هبت عليه من الزروع { مُصْفَرّاً } من أثرها بعدما كان مخضراً ؛ يعني : لا يربى زروعهم ولا ينميها ، بل يضعفها ويرديها ، مع أن إضرارها واصفرارها أيضاً إما هو بشؤم ما اقترفوا من المعاصي والآثام { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ } أي : صاروا وأخذوا بعد اصفراره { يَكْفُرُونَ } [ الروم : 51 ] بالله وبنعمه ، وينكرون بعموم فضله وكرمه ، مع أن أخذهم بالبأساء والضراء ؛ إنما هو ليتضرعوا نحوه ، ويلتجئوا إليه منيبين خاشعين خاضعين ؛ ليكشف عنهم ما يضرهم ؛ إذ لا كاشف إلا هو ، ولا منجي لهم سواه . وبالجملة : هم من خبث طينتهم ، وجمود قريحتهم أموات حقيقة ومعنى ، وإن كانوا من الأحياء صورة ، لا تبال يا أكمل الرسل بهم وبشأنهم ، ولا تجتهد إلى إهدائهم وتكميلهم { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } أي : ليس في وسعك وطاقتك إسماع الموتى ، بل ما عليك إلا التبليغ والدعوة { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } الجبلي { ٱلدُّعَآءَ } والدعوة ، سيما { إِذَا وَلَّوْاْ } وانصرفوا عنك { مُدْبِرِينَ } [ الروم : 52 ] معرضين منكرين لك ، مكذبين رسالتك ودعوتك . { وَ } كيف تجتهد وتسعى يا أكمل الرسل في حصول ما هو خارج عن وسعك وطاقتك مع أنك لا تُؤم به ؟ ! إذ { مَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ } إذ هم مجبولون على الغواية الجبلية في أصل فطرتهم ، فقادون بصائر قلوبهم المدركة دلائل التوحيد وشواهد الوحدة الذاتية ، ولا يتأتى لك أن تهديهم إلى طريق التوحيد وترشدهم إليه { إِن تُسْمِعُ } بتبليغك وإرشادك { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } ونوفقهم على الإيمان بمقتضى ما ثبت وجرى في لوح قضائنا وحضرة عملنا { فَهُمْ } بعدما سبقت العناية منا إياهم { مُّسْلِمُونَ } [ الروم : 53 ] منقادون لك ، مسلمون منك جميع ما بلغت لهم من شعائر الدين ، ودلائل التوحيد واليقين .