Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 8-10)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَ } يقنعون بهذه المزخرفات الفانية الضالون الغافلون ، ويرضون أنفسهم بلذاتها الوهمية وشهواتها البهيمية { وَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } ويتدبروا في آلاء الله ونعمائه الفائضة على الترادف والتوالي في الآفاق على الصور العجيبة ، والهيئات الغريبة ، سيما { فِيۤ أَنفُسِهِمْ } التي هي أقرب الأشياء إليهم ، وأبدعها نظماً وتركيباً ، وأعجبها ظهوراً ، وأشملها تصرفاً ، وأكملها علماً ومعرفة ، وأعلاها شأناً ، وأوضحها برهاناً ؛ لذلك ما وسع الحق إلا فيها ، وما انعكس أوصافه وأسماؤه إلا منها ، واستحقت هي بخصوصها من بين مظاهره سبحانه لخلافته ونيابته ، ايطمئنون بهذه المزخرفات الزائلة الخسيسة ، ولم يعبروا منها إلى مبادئها التي هي الأوصاف الذاتية والأسماء الإلهية ، مع أنهم مجبولون على الجواز والعبرة بحسب أصل الفطرة ولم يعلموا ، ولم يفهموا أنه { مَّا خَلَقَ } وأظهر { ٱللَّهُ } الحكيم المتقن في جميع أفعاله { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي : العلويات والسفليات { وَمَا بَيْنَهُمَآ } من البرازخ المتكونة من امتزاجاتهما واختلاطاتهما أثراً وأجزاءً { إِلاَّ } ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } ومنتهياً إليه إعادةً وإبداءً ، لكنه قدر بقاءه وظهوره بوقت معين . { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى } عنده ، وحين انقضائه انتهى إليه ورجع نحوه ما ظهر من الموجود ، وانتفى وفني ما لمع عليه نور الوجود ، وحينئذٍ لم يبق في فضاء الوجود إلا الواحد القهار للأظلال الأغيار { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على الكفران والنسيان { بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ } في النشأة الأخرى { لَكَافِرُونَ } [ الروم : 8 ] منكرون جاحدون عتواً واستكباراً ؛ بسبب ما عندهم من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية . { أَوَلَمْ يَسيرُواْ } أولئك المسرفون المفرطون { فِي } أقطار { ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } بنظرة العبرة { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } أمر المسرفين { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } كعاد وثمود ، مع أنهم { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } لدلالة أظلالهم وآثارهم على تمكنهم { وَ } من دلائل قوتهم أنهم { أَثَارُواْ ٱلأَرْضَ } وقلبوها للمعادن وإخراج العيون ، وإجراء الأنهار ، وإحداث الزروع وغير ذلك { وَ } بالجملة : { عَمَرُوهَآ } أولئك فيمامضى { أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } هؤلاء اليوم ، فدل زيادة عمارتهم على ازدياد قوتهم وتمكنهم . { وَ } بعدما أفسدوا على أنفسهم بأنواع الفسادات مباهياً بمالهم وجاههم ، قلبنا عليهم أمرهم بأن أرسلنا إليهم رسلاً مؤيدين بأنواع المعجزات ، فلما { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } القاطعة والبراهني الساطعة ، فلجأوا على تكذيبهم وإنكارهم بلا تأمل وتدبر فيما جاءوا به ، فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ، فاستأصلناهم وقلبنا عليهم أماكنهم ، وخرجنا بلادهم ومزارعهم { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ } العزيز المتقدر الحكيم المتقن { لِيَظْلِمَهُمْ } أي : يفعل بهم فعل الظلمة بأخذهم وبطشهم بلا جرم صدر عنهم موجب لانتقامهم { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ الروم : 9 ] أي : يظلمون أنفسهم بعتوهم واستكبارهم على ضعفاء عباد الله ، تكذيب خلَص أنبيائه وأوليائه ، وخروجهم عن مقتضى حدوده سبحانه . { ثُمَّ كَانَ } بعدما تمادوا في الغفلة والعصيان ، وتكذيب الرسل ، والاستكبار على عباد الله وأنواع الإساءة مع رسله { عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ } مع الله ورسوله والمؤمنين { ٱلسُّوۤأَىٰ } أي : الخصلة الذميمة والعاقبة الوخيمة المترتبة على إساءتهم في الأخرى جزاء ما كانوا عليها في الأولى ، كل ذلك بواسطة { أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } وأنكروا عليها ، واستخفوا بها ولمن أُنزلت عليه { وَكَانُواْ } من غاية عتوهم واستكبارهم { بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } [ الروم : 10 ] ويستسخرون ، ونسبون إليها ما لا يليق بشأنها افتراءً ومراءً .