Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 20-22)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَلَمْ تَرَوْاْ } ولمت تعلموا أيها المجبولون على الدربة والدارية { أَنَّ ٱللَّهَ } الحكيم المتقن في عموم أفعاله { سَخَّرَ لَكُمْ } وسهَّل عليكم تتميماً لفضلكم وكرامتكم جميع { مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : العلويات التي هي علل وأسباب ، وإن كانت معلولات في أنفسها { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : السفليات ؛ أي : هي مسببات عن العلويات وقوابل لما يفيض عنها بطريق جري العادة ؛ ليحصل من امتزاجها ما تعيشون بها ، مترفهين متنعمين من أنواع الفواضل والنعم . { وَ } بالجملة : { أَسْبَغَ } أي : أكثر وأوفر سبحانه { عَلَيْكُمْ } أيها المجبولون على الكرامة الفطرية ، والكمال الجبلي { نِعَمَهُ ظَاهِرَةً } تدركون بها ظواهر الآفاق من المبصرات والمسموعات الملموسات ، والمشمومات والمذوقات { وَبَاطِنَةً } تدركون بها سرائر المعلومات والمعنويات ، وتنكشفون بها إلى المعارف والحقائق الفائضة على قلوبكم التي أودعها الله العليم الحكيم في بواطنك ؛ ليسع فيها وينزل عليها سلطان وحدته الذاتية السارية في ظواهر الأكوان وبواطنها الكائنة أزلاً وأبداً ، مع أنه سبحانه لا يسعه في سعة السماوات والأرض وإن فرض لها أضعاف وآلاف ، لكنه يسع في قلب عبده العارف المؤمن الموقن ، المنكشف بتوحيده وبظهور وحدته الذاتية المتجلية على صفائح ما ظهر وبطن ، ومع ظهور وحدته سبحانه في ذاته واستقلاله في إظهار المظاهر الكائنة أزلاًَ وأبداً . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على الجدال والنسيان ، المنهمكين في بحر العناد والطغيان { مَن يُجَادِلُ فِي } توحيد { ٱللَّهِ } المتوحد المتفرد بالألوهية والربوبية ، المستقل بالتصرف في ملكه وملكوته إرادةً واختياراً ، ويثبت له شريكاً سواه ويعبده كعبادته ، مع أن جداله ما يستند إلى سندٍ يصلح للاستناد ، بل { بِغَيْرِ عِلْمٍ } دليل عقلي يمكن التوصل به إلى إثبات ما ادعاه بطريق النظر والاستدلال { وَلاَ هُدًى } أي : كشف صريح لدني نبع من قلبه بلا افتقار إلى المقدمات والوسائل العادية التي يستنتج منها المطالب { وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } [ لقمان : 20 ] أي : دليل نقلي ينور خلده ، ويعده لفيضان المعارف والحقائق من المبدأ الفياض ، بل إنما نشأ ما ادعاه من محض التقليد والتخمين الحاصل من متابعة الوهم والخيال . { وَ } لذلك { إِذَا قِيلَ لَهُمُ } على سبيل العظة والتذكير إمحاضاً للنصح : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المصلح لأحوالكم من الدين والكتاب المشتمل على أنواع الرشد والهداية ، والنبي المؤيَّد من عنده ، المبعوث إليكم ؛ لهدايتكم وإصلاحكم { قَالُواْ } في الجواب : ما نتبع بمفترياتكم المستحدثة التي ابتدعتموها من تلقاء أنفسكم ، ونسبتموها إلى الله تغريراً وترويجاً { بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا } إذ هو مستمر قديم ، فنحن بأثرهم متبعونن ، وبدينهم راضون متخذون . قل لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا : { أَ } يتبعون آبائهم أولئك الضالين { وَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ } المغوي المضل إياهم { يَدْعُوهُمْ } وآباءهم أيضاً إلى الباطل ؛ ليصرفهم عن الحق ، ويوصلهم { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ لقمان : 21 ] الذي أُعد لمتابعيه ، ومن يقتفي أثره ويقبل دعوته . ثمَّ قال سبحانه : { وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ } الذي يلي الحق { إِلَى ٱللَّهِ } ويخلص في توجهه نحوه { وَ } الحال أنه { هُوَ مُحْسِنٌ } ناظر إلى الله بنوره سبحانه ، مطالع بوجهه الكريم { فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ } وتمسك { بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ } التي لا انفصام لها ، وهي حبل الله الممدود من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات ، ومن تمسك بها فقد فاز بكنف حفظه وجواره ، وأمن من شر الشيطان وغوائله وتضليلاته عن طريق الحق وصراطه المستقيم { وَ } كيف لا { إِلَىٰ ٱللَّهِ } المستجمع لجميع الأسماء والصفات المترتبة لما في الكائنات لا إلى غيره من الوسائل والأظلال العادية { عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ } [ لقمان : 22 ] ومصيرها ؟ ! ومن تشبث بحبل الله مخلصاً ، فقد لحق بخلَّص أوليائه الذين { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ يونس : 62 ] .