Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 6-11)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وإنما دبَّر من المعارف والحقائق المترتبة على الإيجاد والإظهار ، وقدر للعروج والصعود ما قدر لحِكم ومصالح استأثر بها سبحانه في غيبه ، ولم يطلع أحداً عليها ؛ إذ { ذٰلِكَ } الذات البعيد ساحة عز حضوره عن أن يحوم حوله إدراك أحد من مظأهره ومصنوعاه { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } الذي لم يتعلق به علم أحد سواه { وَٱلشَّهَادَةِ } المنعكسة مه حسب تجلياته الجمالية والجلالية { ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على جميع ما دخل في حيطة حضرة علمه بأن يتصرف فيه كيف يشاء إرادةً واختياراً { ٱلرَّحِيمُ } [ السجدة : 6 ] . { ٱلَّذِيۤ } وسعت رحمته كلما لاحت عليه بروق تجالياته ؛ لذلك { أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } أي : قدر وجوده بعدما دخل في حيطة علمه ، وقدرته وإرادته { وَبَدَأَ } من بينهم { خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ } أي : آدم ، وقدر وجوده أولاً { مِن طِينٍ } [ السجدة : 7 ] إذ هو أصل في عالم الطبيعة ، قابل لفيضان آثار الفاعل المختار ، مستعداً لها استعداداً أصلياً ، وقابليةً ذاتيةً . { ثُمَّ } بعد تعلق إرادته سبحانه بإبقاء نوعه { جَعَلَ نَسْلَهُ } أي : قدر بصنعه وجود ذرياته المتناسلة المتكثرة ، المختلفة منه على سبيل التعاقب والترادف { مِن سُلاَلَةٍ } فضله منفصلة مني ، كائنة { مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ السجدة : 8 ] ممتهن مسترذل مستقذر ؛ لخروجه عن مجرى الفضلة . { ثُمَّ } بعدما قدر خلقه أولاً من الطين ، وثانيا من الماء المهين { سَوَّاهُ } سبحانه إظهاراً لقدرته ؛ أي : قوَّم وعدَّ أركانه على أحسن التقويم { وَ } بعد تسويته وتعديله { نَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ } المضافة إلى ذاته المستجمع لجميع أوصافه وأسمائه تتميماً لرتبة خلافته ونيابته ، واستحقاقه لمرآتية الحق ، قابليته انعكاس شئونه وتطوراته ولياقته ؛ للتخلق بأخلاقه { وَ } بالجملة : { جَعَلَ } وهيَّأ { لَكُمُ } أيها المجبولون على فطرة المعرفة والتوحيد { ٱلسَّمْعَ } لتسمعوا بها آيات التوحيد ، ودلائل اليقين والعرفان { وَٱلأَبْصَارَ } ليشاهدوا بها آثار القدرة والإرادة الكاملة المحيطة بذرائر الأكوان { وَٱلأَفْئِدَةَ } المودعة فيكم ؛ لتتأملوا بها سريان الوحدة الذاتية على هياكل الأشباح الكائنة والفاسدة ، وتتفكروا بها في آلاء الله ونعمائه المتوالية المتوافرة ، ومع وفور تلك النعم العظام ، والفواضل الجسام { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [ السجدة : 9 ] وتصرفونها إلى ما مقتضياتها التي جبلها الحق لأجلها . { وَ } من غاية كفرانهم بنعم الله ، ونهاية عمههم وسكرتهم فيه : { قَالُوۤاْ } أي : أُبي بن خلف ومن معه المنافقين بعدما سمعوا من البعث والحشر ، ويوم العرش والجزاء مستبعدين مستفهمين ، مكررين على سبيل المبالغة في الإنكار { أَءِذَا ضَلَلْنَا } وضمحللنا { فِي ٱلأَرْضِ } وصرنا من جملة الهباء المنبثة ، المتلاشية المتناسلة التي لا تمايز فيها أصلاً { أَءِنَّا } بعدما كنا كذلك أيها العقلاء المجبولون على الدارية والشعور { لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } مثلما كنا عليها قبل مؤتنا ؟ ! كلا وحاشاـ وما لنا عود إلى الحياة الدنيا ، سيما بعدما متنا وصرنا تراباً وعظاماً ، وهم أيضاً ما يتقصرون من شيء بمجرد قولهم هذا { بَلْ هُم } من غلظ غشاوتهم وغطائهم { بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ } الذي رباهم بأنواع النعم في النشأة الأولى ، وأفاض عليهم سجال اللطف والكرم في النشأة الأخرى ، وقبض ملك الموت أرواحهم بأمر الله أياه { كَافِرُونَ } [ السجدة : 10 ] منكرون جاحدون . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا بعدما سمعت قولهم : { يَتَوَفَّاكُم } ويستوفي أجلَكم أيها المنهمكون في الغفلة والضلال { مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } بإذن الله ؛ لقبض أرواحكم { ثُمَّ } بعدما قبضتم في النشأة الأولى ، وبعثتم من قبوركم أحياءً في النشأة الأخرى { إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } [ السجدة : 11 ] للعرض الجزاء .