Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 13-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } اذكر لهم يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ } أي : من منافقي المدينة ، والذين في قلوبهم مرض وضعف اعتقاد ويقين من المؤمنين : { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } أي : أصحاب المدينة { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي : لا يحسن إقامتكم الآن ومقاومتكم في مقابلة هذه الأحزاب ؛ أذ هم ذوو عَدد وعُدد كثيرة ، وأنتم شرذمة قليلون بالنسبة إليهم { فَٱرْجِعُواْ } عن دين محمد ، وتشتتوا عن حوله ؛ حى تسلموا من يد الأعادي { وَ } بعدما سمعوا قول أولئك المنافقين آمرين بالرجوع والارتداد صاروا مترددين متزلزلين في دينهم ؛ حتى { يَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ } معتذرين معللين للرجوع والذب عن حول النبي : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } غير حصينة ، خالية عن المحافظ ، فأذن لنا حتى نرجع إلى بيوتنا ونستحفظها { وَ } الحال أن بيوتهم { مَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } بل هي حصينة محفوظة لا خلل فيها ، بل { إِن يُرِيدُونَ } أي : ما يريدون ويقصدون من هذا القول { إِلاَّ فِرَاراً } [ الأحزاب : 13 ] عن الزحف ، وإعراضاً عن الدين . { وَ } من كما ضعفهم في الدين ، وعدم تثبتهم ورسوخهم ي الاعتقاد واليقين : { لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا } وحصنت جميع جوانبها ، بحيث لا يمكن الظفر علكيها إلا لهؤلاء الأحزاب ولا لغيرهم من عساكر الأعداء { ثُمَّ } ب عدما تحصنت عليهم بيوتهم كذلك صاروا آمنين من ظفر العدو مطلقاً { سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ } أي : الارتداد عن الإيمان والإسلامن والنصر على المؤمنين { لآتَوْهَا } وأعطوها ألبتة هؤلاء الجهلة الضعفة ، المتماثلين إلى الكفر ومؤاخاة الكفرة عن صميم فؤادهم ، ولجاءوا بالردة عن الدين والقتال مع المسلمين على الفور { وَمَا تَلَبَّثُواْ } وتوقفوا { بِهَآ } أي : بإعطاء الفتنة والردة بعدما سئلوا عنها { إِلاَّ يَسِيراً } [ الأحزاب : 14 ] أي : آناً واحداً إلاَّ زماناً مقدرا ما يفهمون سؤال السائل واقتراحه . { وَ } كيف لا يعطونها وهم { لَقَدْ كَانُواْ } أي : بنو حارثة وبنو سلمة { عَاهَدُواْ ٱللَّهَ } أي : عهدوا العهد الوثيق مع الله { مِن قَبْلُ } أي : قبل حفر الخندق ، وذلك في يوم أحد حين أرادوا أن يُفشلوا عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم أو تخلفوا عنه يوم بدر ، فلما رأوا ما أعطى الأحديون والبدريون من الكرامة العظيمة آجلاً وعاجلاً قالوا معاهدين : لئن أشهدنا الله قتالاً فالنقاتلن ، وحلفوا { لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } أصلآً ، فالآن قد تذبذبوا وتضعفوا ، وكادوا أن يولوا { وَ } لم يعلموا أنه { كَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ } الذين عاهدوا معه سبحانه من قبل { مَسْئُولاً } [ الأحزاب : 15 ] عنه وعن نقضه ووفائه ، وهم مجزيون بمقتضى ما ظهر منهم من النقض والوفاء ؟ ! . { قُل } لهم يا أكمل الرسل بعدما تحقق عندك قصد فرارهم وذبهم عنك : { لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ } أبداً ، بل { إِن فَرَرْتُمْ } من ضعف يقينكم ، ووهو اعتقادكم { مِّنَ ٱلْمَوْتِ } حتف الأنف ، كما يفر الناس من الطاعون والوباء والزلزلة وغير ذلك { أَوِ ٱلْقَتْلِ } في يم الوغاء { وَإِذاً } أي : بعدما تفرون حينئذٍ { لاَّ تُمَتَّعُونَ } تمتيعاً كثيراً مؤبداً ، بل ما تمتعون { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 16 ] في زمان قليل ؛ إذ لكل منكم أجل ، ولكل أجل قضاء وانقضاء ، ولا دوام إلا لمن هو متعال عن الأجل والقضاء والانقضاء ، منزه عنه الابتداء والانتهاء ، وعن الإعادة والإبداء ، مقدس عن تعديد الأزمنة وتحديد الأمكنة مطلقاً . وإن جادلوا معك يا أكمل الرسل ، وعاندوا بالفرار والتحصن ننجي من العدو وإهلاكه بحيث لا تبقى لهم يد علينا { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل على سبيل التبكيت والإلزام : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ } ويحفظكم ويحرزكم { مِّنَ } قهر { ٱللَّهِ } وعذابه { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً } أي : إصابة بلاء وشدة ومحنة { أَوْ } من ذا الذي يمنع نعكم لطفه سبحانه إن { أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } عطفاً ومحبةً ؟ ! { وَ } بالجملة : { لاَ يَجِدُونَ } أولئك المتذبذبون المتضعفون { لَهُمْ } أي : لأنفسهم المراقب عليهم في جميع أحوالهم { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } يولي أمور تحصنهم وتحفظهم { وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ الأحزاب : 17 ] ينصرهم على أعدائهم ، وبالجملة : جميع أعمال العباد وأفعالهم مفوضة إلى الله أولاً وبالذات ، مقهورة تحت قدرته الكاملة ، فلهم أن يفوضوها إليه ؛ ليسلموا من غوائل العناد والإصرار .