Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 18-20)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وإن اعتذروا بك ، وتبرءوا عما كانوا وصاروا عليه ، قل لهم : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ } بعلمه الحضوري { ٱلْمُعَوِّقِينَ } المثبطين { مِنكُمْ } عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المتخلفين عنه في الحروب والمعارك ، وهم المنافقون { وَ } يعلم أيضاً { ٱلْقَآئِلِينَ } منكم أيها المنافقون من أهل المدينة { لإِخْوَانِهِمْ } ممن في قلوبهم مرض من المؤمنين : { هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي : قربوا أنفسكم نحونا ؛ لتنجو عن المخاوف والمهالك { وَ } بعدما سمعوا منكم إخوانكم قولكم هذا { لاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ } أي : الحراب والقتال { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 18 ] أي : إتياناً قليلاً ، بل يثبطون ويسرفون ، ويعتذرون بالأعذار الكاذبة . وبعدما أتوا ما أتوا إلا { أَشِحَّةً } أي : بخلاء { عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون المخلصون لما معكم من المعاونة والنفقة في سبيل الله ، أو خوف الظفر وفوت الغنيمة ، أو من خوف العاقبة ، وإنما فعلوا ذلك قبل القتال { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ } وظهرت أمارات القتال والحراب { رَأَيْتَهُمْ } أيها الرائي حين { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } من شدة خوفهم وخشيتهم { تَدُورُ } أي : تتحرك وتضطرب { أَعْيُنُهُمْ } أي : آماقهم في أحداقهم { كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ } أي : يحل ويدور { عَلَيْهِ مِنَ } أمارات { ٱلْمَوْتِ } ولاح عليه علامات السكرات { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ } وزال الرعب والخشية ، وانهزم العدو ، واجتمعت الغنائم { سَلَقُوكُمْ } أي : جاءوكم مستلقين متسلطين عليكم { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ذربة قاطعة ، باسطين أيديهم إلى الغنائم وقت قسمتكم ، صائحين عليكم : لستم أولى منَّا وأحق بهذه الغنائم ؛ لأنَّا شهدنا القتال معكم ، بل نحن لا نقصِّر وأنتم قاصرون ، فبم ترجحون أنتم علينا ، وإنما سلقوكم بها حال كونهم { أَشِحَّةً } بخلاء { عَلَى ٱلْخَيْرِ } الذي وصل إليكم من الغنائم العظام ؟ ! . وبالجملة : { أوْلَـٰئِكَ } البعداء الهالكون في تيه النفاق والشقاق { لَمْ يُؤْمِنُواْ } بتوحيد الله ، ولم يخلصوا الإيمان به وبرسوله وكتابه ، بل : إنما آمنوا واعترفوا باللسان ؛ لحقن الدماء والأموال خداعاً ومكراً ؛ ولذلك مكر الله المطلع على نيَّاتهم بهم { فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } الصالحة ، وأبطلها عليهم بلا ترتيب الجزاء والمثوبات ، كما لأعمال المخلصين من المؤمين { وَكَانَ ذَلِكَ } الإحباط والإبطال { عَلَى ٱللَّهِ } القادر لجميع ما ثبت في لوح قضائه { يَسِيراً } [ الأحزاب : 19 ] سهلاً غير عسير عنده . وإن استعسرتم أيها المحجوبون بالحجب الظلمانية الكثيفة ، ومن كمال غيِّهم وضلالهم ، ونهاية جبنهم ورعبهم من الأحزاب { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } ولم ينهزموا ، مع أنهم ذهبوا منهزمين إلى حيث لم يبق منهم أحد { وَ } هم من كمال محبتهم ومودتهم مع الأحزاب { إِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ } ويكروا بعد الفرار { يَوَدُّواْ } هؤلاء المنافقون إتيانهم إلى حيث تمنوا { لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ } ظاهرون { فِي } البدو { ٱلأَعْرَابِ } أي : فيما بينهم ، خارجون عن أظهر المسلمين ، لا حقون بالكفرة ، معدودون من عدادهم حتى { يَسْأَلُونَ } كل قادم من قبلكم { عَنْ أَنبَآئِكُمْ } وأخباركم ، وما جرى عليكم أيها المؤمنون من الوقائع الهائلة والمصيبات المهولة { وَ } من كمال ودادتهم مع الكفرة : { لَوْ } فُرض أنهم { كَانُواْ فِيكُمْ } وقت كر الكفرة عليكم { مَّا قَاتَلُوۤاْ } من المنافقين من قبلكم مع أعدائكم { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 20 ] منهم ، وهو أيضاً على سبيل الرياء والسمعة ، ومقتضى ما زعموا من جلب النفع أو دفع الضر ، لا لرضاء الله وإعلاء دينه ونصرة نبيه .