Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 9-12)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ نادى سبحانه المؤمنين الموحدين ، المواظبين على الطاعات بارتكاب الأوامر واجتناب المنهيات ؛ كي يصلوا إلى ما أعد لهم ربهم من المثوبات المكرمات فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم : تعداد نعم الله عليكم ، وإحصاء فواضله المتوالية المتتالية المتسقة { ٱذْكُرُواْ } في عموم أوقاتكم وأحوالكم { نِعْمَةَ ٱللَّهِ } الفائضة { عَلَيْكُمْ } على تعاقب الأزمان ، وتلاحق الآناء والأحيان ، سيما نعمة إنجائكم من أعدائكم ونصركم عليهم ، مع كونكم آيسين منه ، أذكروا يا أهل يثرب { إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } متعددة وأحزاب متعاقبة متلاصقة قاصدين لمقتكم واستئصالكم ، وهم قريش وغطفان ، ويهود بني قريظة وبني النضير ، وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً ، وأنتم قليلون فحفرتم الخندق على المدينة ، ثمَّ خرجتم تجاه الأعداء ثلاثة آلاف ، والخندق بينكم وبينهم فقعدتم متقابلين ، ومضى عليها قريب شهر لا حرب بينكم إلاَّ بالترامي بالنبل والحجارة فاضطررتم واضطربتم ، فأوجستم في نفوسكم خيفة ، وصرتم متذبذبين متزلزلين لا إلى القرار ولا إلى الفرار . وبعدما أبصرناكم كذلك فاجأنا بإرسال الريح والملائكة إمداداً لكم ، وتأييداً { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً } أي : الصبا ، فهبت عليهم إلى حيث تقلع أوتادهم ، وتسقط الخيام عليهم ، وتطفئ نيرانهم ، وتكفي قدورهم ، وتجيل خيولهم ، وكانت في ليلة شاتية باردة في غاية البرودة { وَ } أرسلنا عليهم أيضاً { جُنُوداً } من الملائكة ظهرت جوانب معسكرهم ، بحيث { لَّمْ تَرَوْهَا } في تلك الليلة المظلمة ، بل لم تروها جنداً مثلها أصلاً ، فقال حينئذٍ صناديدهم وكبراؤهم : النجاء النجاء ، فإن محمداً قد بدأ بالسحر فانهزموا من غير قتال ، فنجوتم سالمين عنايةً من الله ، وإنجازاً لوعده ، ومعجزةً لرسوله صلى الله عليه وسلم { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع لأحوال عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } من حفر الخندق ، والتزلزل والتذبذب ، والرعب الخفي ، وبما يعملون من التحزب والتوافق على استئصالكم { بَصِيراً } [ الأحزاب : 9 ] رائيً عليماً منكم أمارات التذبذب والتزلزل . وكيف لا يتزلزلون { إِذْ جَآءُوكُمْ } وهم غطفان { مِّن فَوْقِكُمْ } أي : من أعلى الوادي من قبل المشرق { وَ } جاءوكم قريش { مِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي : من أسفل الوادي من قبل المغرب ، وأحصرتم حينئذٍ ؛ إذ ليس معكم ما يقابل أحد الجانبين ، فكيف بكليهما { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ } حينئذٍ منكم ، ومالت عن مستوى نظرها ، وتقلقلت حيرةً وشخوصاً { وَ } اضطربتم في تلك الحالة إلى حيث { بَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } من غاية الرغب ؛ لأن رئتكم قد انتفخت من الرعب المفرط فارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، وهي منتهى الحلقوم الذي هو مدخل الطعام والشراب . { وَ } حينئذٍ { تَظُنُّونَ } أيها الظانون المرعوبون { بِٱللَّهِ } الذي وعدكم الغلبة على الأعداء ، وإظهار دينكم وأعلاءه على الأديان كلها { ٱلظُّنُونَاْ } [ الأحزاب : 10 ] أي : أنواعاً من الظنون ، بعضها صالح وبعضها فاسد ، على تفاوت طبقاتكم في الإخلاص وعدمه ، فمنكم من يظن أن الله منجز وعده الذي وعده لرسوله من إعلاء دينه ونصره على الأعداء ؛ إذ لا خلف لوعده سبحانه ، ومنكم من يتردد ويتحير بين الأمرين إلى حيث لا يرجح أحدهما ؛ لذلك يخاف من ضعف الثقة بالله ، وعدم رسوخه في الإيمان . وبالجملة : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وجرِّبوا واختُبروا ؛ كي يتيمز المخلص منهم من المنافق ، والثابت الراسخ من المتردد المتزلزل { وَ } لذلك { زُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } [ الأحزاب : 11 ] من شدة الفزع والهول المفرط إلى حيث كاد أن يخرج أرواحهم من أجسادهم . { وَ } اذك يا أكمل الرسل { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } حينئذٍ { وَ } المؤمنون { ٱلَّذِينَ } بقي { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } من أمارات الشقاق ، ولم يصفوا بعد ؛ لحداثة عهدهم حتى يتمكنوا على الوفاق ، ويتمرنوا بالاتفاق { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من الظفر على الأعداء ، وانتشار هذا الدين في الأقطار والأنحاء { إِلاَّ غُرُوراً } [ الأحزاب : 12 ] قولاً باطلاً ، وزوراً زاهقاً زائلاً ، وبالغوا في ذلك حيث قال متعب بن قشير : بعدنا محمد بفتح فارس والروم ، وأحدنا لا يقدر أن يتبرز للقتال مع هؤلاء الفرق ، فظهر أن وعده ما هو إلا غرور باطل .