Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 21-24)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ قال سبحانه تحريكاً لحمية المؤمنين : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ } أيها المؤمنون المخلصون ، الطالبون التخلق بأخلاق الله ، الهاربون عن أخلاق أعدائه { فِي رَسُولِ ٱللَّهِ } المبعوث ؛ لإرشادكم وإهدائكم { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي : خصلة حميدة بديعة يجب التأسي والاتصاف بها { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ } أي : لقاءه ومطالعة وجهه الكريم { وَ } يرجو أيضاً { ٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } الموعود يه هذه الكرامة العظيمة ، وبواسطة هذا الرجاء وغلبة هذه الأمنية العظيمة في خاطره { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الأحزاب : 21 ] في عموم الأعيان والأحياز ؛ لتلذذه بذكره سبحانه ؛ حتى ينال ما وعد من الفوز بشرف اللقاء ، ومن كان كذلك ، وهمه ذلك فهو مؤتسٍ بالرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الخصلة المحمودة ، والديدنة المسعودة المقبولة عند الله التي هي الرضا بجميع ما جرى عليه من القضاء . ومن علامات الثبات على العزيمة ، وتحمل الشدائد ، ومقاساة الأحزان ، وارتكاب المتاعب والمشاق في إعلاء دين الله وكلمة توحيده ، والتوكل نحوه في الضراء والسراء ، وكظم الغيظ عند هجوم الغضب ، والعفو عند القدرة وغير ذلك من الخصائل الحميدة والأخلاق الجميلة المرضية { وَ } من شدة تأثير هذه الخصائل الجميلة في قلوب المؤمنين { لَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ } المخلصون { ٱلأَحْزَابَ } حواليهم { قَالُواْ } متذكرين لوعد الله ، متثبتين على دينه ، متشمرين لإعلاء كلمة توحيده : { هَـٰذَا } الوقت وقت إنجاز { مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } من النصر والغلبة على الأعداء ، والفوز بأنواع الغنائم والعطاء عاجلاً وآجلاً بقوله سبحانه : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم … } [ البقرة : 214 ] وقوله عليه السلام : " سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم العاقبة لكم عليهم " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر " . { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } في جميع ما جاءنا من قِبَل الله ورسوله من الوعد والوعيد ، وأنواع النعم والعطاء ، والمحن والبلاء { وَ } من كمال تثبتهم وتفويضهم على الله ، وتوكلهم نحوه : { مَا زَادَهُمْ } إلمام الخطوب وحدوث الوقائع ، ونزول المحن والبليات { إِلاَّ إِيمَاناً } بالله وكمال قدرته وعلمه وإرادته ، وسائر صفات الذاتية والفعلية { وَتَسْلِيماً } [ الأحزاب : 22 ] لعموم ما جرى عليهم من صولجان قضائه بلا تلعثم وتذبذب في إيمانهم واعتقادهم . ومن غاية خلوصهم في إيمانهم وتسليمهم { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المشمرين لإعلاء دين الله ونصرة رسوله على العزيمة الكاملة الصادقة { رِجَالٌ } أبطال كاملون في الإخلاص والشجاعة والوفاء { صَدَقُواْ } في جميع { مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } أي : نجزوا مواثيقهم ، ووفوا عموم عهودهم التي عهدوا مع الله ورسوله من الثبات على العزيمة ، والتصبر في المعركة ، وعدم التزلزل من المحل الذي عين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم في صف القتلا ، ولم يجنبوا ولم يضعفوا أصلاً . { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } ووفى نذره بأن قاتل مع أعداء الله على مقتضى ما عاهد ونذر حتى استشهد ووصل إلى مرامه ومبتغاه ، كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر - رضون الله عليهم أجمعين - { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } الشهادة ، كعثمان وطلحة فقاتلوا مع الأعداء وقتلوهم ، ونجواو منهم سالمين منتظرين إلى قتال آخر ؛ ليستشهدوا فيه { وَ } من كمال تثبتهم وتمكنهم في تعيينهم ، وإخلاصهم في إيمانهم : { مَا بَدَّلُواْ } من النذور والعهود التي أتوا بها عازمين عليها جازمين ، ولا أضمروا في أنفسهم ، كالمنافقين { تَبْدِيلاً } [ الأحزاب : 23 ] شيئاً حقيراً من التبدل والنقص ، فكيف بالعظيم الكثير ؟ ! بل زادوها وأكدوها . كل ذلك { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ } المجازي لأعمال عباده { ٱلصَّادِقِينَ } المخلصين منهم { بِصِدْقِهِمْ } أي : جزاءً حسناً يناسب صدقهم وإخلاصهم ، أو بواسطة صدقهم وإخلاصهم { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ } منهم ، وليجازيهم بمقتضى كفرهم ونفاقهم تعذيباً مخلداً مؤبداً { إِن شَآءَ } وتعلق إرادته ومشيئته بتخليدهم في العذاب { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ويوفقهم على الإيمان والإخلاص ، إن علق إرادته بإيمانهم وإنقاذهم من العذاب الأبدي { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على جميع ما أحاط تحت قدرته { كَانَ غَفُوراً } ساتراً لذنوب من وفقهم على التوبة من عصاة عباده { رَّحِيماً } [ الأحزاب : 24 ] يقبل توبتهم ، ويرحم عليهم بعدما أخلصوا فيها .