Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 37-39)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعدما سمعت يا أكمل الرسل من زيد ما سمعت اذكر { إِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بأن وفقه للإيمان وقبول الإسلام ، وشرفه بشرف خدمتك وصحبتك { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } بأن أعتقته ودعوته ابناً { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } بعدم لم يريك منها شيئاً { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور ، واحذر عن بطشه بطلاق العفيفة ، والمفارقة منها بلا وصمة عيب ظهرت عنها ، وسمة نقص لاحت منها { وَ } أنت يا أكمل الرسل حينئذٍ { تُخْفِي فِي نَفْسِكَ } حين قولك لزيد هذا { مَا ٱللَّهُ } المظهر لما في الصدور { مُبْدِيهِ } مظهره ومعلنه من ميلك إلى زينب ونكاحها ، وأرادتك لطلاق زيد وافتراقه عنها { وَ } سبب إخفائك هذا ، وإظهارك ضد مطلوبك أنك { تَخْشَى ٱلنَّاسَ } من أن يعيروك بمناكحة زوجة عتيقك ودعيتك ، ويرموك بما لا يليق بشأنك ، مع أنك بريء عنه { وَٱللَّهُ } المطلع على جميع ما ظهر وبطن { أَحَقُّ } وأولى من { أَن تَخْشَاهُ } وتستحي منه ؛ إذ هو سبحانه غيور ينتقم عمن يشاء ، ويأخذه على من يشاء . وهذا عتاب شديد وتأديب بليغ ، قالت عائشة - رضي الله عنها : لو كتم النبي شيئاً مما أنزل إليه لكتم هذه الآية ، فطلقها زيد ومضى عليها العدة ، قال صلى الله عليه وسلم : اذهب فاذكرها عليَّ فذهب ، فقال : يا زينب إن نبي الله أرسنلي إليك بذكرك ، فقالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤمر من ربي ، وقامت إلى الصلاة ، فنزلت : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا } أي : من زينب { وَطَراً } أي : حاجة ، وطلقها ومضت عدتها { زَوَّجْنَاكَهَا } يعني : زوجناك يا أكمل الرسل زينب بلا نصب ولي من الجانبين على المعهود في الشرع ، بل أبحنا لك الدخول عليها بلا عقد ، وجعلناها زوجتك بلا مهر ؛ لذلك كانت تباهي على سائر نسائه صلى الله عليه وسلم قائلة : إن الله تولى نكاحي ، وأنتن زوجكن أولياؤكن . فدخل صلى الله عليه وسلم بلا إذن ، ولا عقد نكاح ، ولا صداق ، ولا شهود ، وأطعم الناس خبزاً ولحماً ، ثمَّ قال سبحانه : { لِكَيْ لاَ } يعني : فعلنا ذلك ؛ لكيلا { يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ } ضيق وإثم { فِيۤ } تزوج { أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } الذين تبنوهم { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } يعني : بعدما طقوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } وحكمه المبرم ، المثبت في لوح قضائه { مَفْعُولاً } [ الأحزاب : 37 ] مقضياً نافذاً كائناً على تعاقب الأحيان والأزمان . ثمَّ قال سبحانه تسليةً لنبيه ، وحطاً عنه العار في أمثال هذه الأفعال الكائنة في قضاء الله ، المقضية في حضرة علمه : { مَّا كَانَ } أي : ما لحق وعرض { عَلَى ٱلنَّبِيِّ } المؤيَّد من عند الله بأنواع التأييدات المنتظرة على لاوحي الإلهام في جميع أفعاله وأعماله { مِنْ حَرَجٍ } ضيق وإثم سآمة ، ووخامة عاقبة { فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } صلى الله عليه سولم ؛ أي : في جميع ما قدر الله له ، وكتب لأجله في لوح قضائه من الحوادث الكائنة الجارية عليه صلى الله عليه وسلم على تعاقب الأزمان والأوقات ، ومن جملتها : هذا النكاح ، وليس أمثال هذا ببدع منَّا مخصوص بهذا النبي صلى الله عليه وسلم ، بل { سُنَّةَ ٱللَّهِ } الحكيم العليم ، المتقن في أفعاله المستمرة القديمة التي سنها سبحانه { فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } ومضوا { مِن قَبْلُ } من الأنبياء والرسل { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ } المثبت في لوح قضائه ، وحكمه المبرم في حضرة علمه { قَدَراً مَّقْدُوراً } [ الأحزاب : 38 ] حتماً مقضياً ، مبرماً محكوماً به ألبتة . وكيف لا يقضي ولا يحكم بالسنن المقدرة للأنبياء والرسل ، وهم { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ } المحمولة عليهم إلى من أُرسلوا إليهم من الأمم بلا تبديل ولا تغيير { وَيَخْشَوْنَهُ } ويخافون عنه سبحانه في جميع أحواله { وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني : من ديدنة الأنبياء والرسل ، وخصلتهم الحميدة : ألاَّ يخافوا من الناس ولا يستحيوا منهم ، لا من لوم لائم ، ولا من تعييره وتهديده بالقتل والضرب وغير ذلك ، بل ما يخافون إلا الله الغيور المنتقم ، المقتدر على أنواع العذاب العقاب { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } [ الأحزاب : 39 ] ظهيراً ومعيناً يكفي مؤنة أعدائهم ، ويدفع عنهم شرورهم ، وجميع ما قصدوا عليهم من المقت والمكر ، وأنواع الأذى والضرر .