Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 40-44)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ لمَّا عيَّر الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه تزوج زوجة ابنه ودعيه ، وهو زيد ردَّ الله عليهم تعييرهم هذا وتشنيعهم فقال : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } أيها الأجانب من المؤمنين على الحقيقة سواء كان زيداً أو غيره ؛ حتى تسري حكم الحرمة في تزويج زوجته بعدما قضى الوطر عنها { وَلَـٰكِن } كان صلى الله عليه وسلم { رَّسُولَ ٱللَّهِ } الهادي لعباده أرسله إليكم ؛ ليهديكم إلى طريق الرشاد على مقتضى سنته المستمرة في الأمم السابقة { وَ } لكن من شأنه أنه صار { خَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } وختم المرسلين ؛ إذ ببعثته صلى الله عليه وسلم كملت دائرة النبوة وتمت جريدة الرسالة ، كما قال : " بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، وقال تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] أي : ببعثته صلى الله عليه وسلم . والسر فيه والله أعلم : إنه صلى الله عليه وسلم بُعث على التوحيد الذاتي ، وسائر الأنبياء إنما بعثوا على التوحيد الوصفي والفعلي ، وبعدما بُعث صلى الله عليه وسلم على توحيد الذات خُتم به أمر البعثة والرسالة ، وكمُل أمر الدين ؛ إذ ليس وراء الذات مرمى ومنتهى { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع على جميع ما ظهر وبطن { بِكُلِّ شَيْءٍ } جرى أو يجري في ملكه { عَلِيماً } [ الأحزاب : 40 ] يعلم بعلمه الحضوري جميع ما لمع عليه نور وجوده ، حكيماً في بعثة الرسل في تنبيه من وفقه وجبله في سابق قضائه على فطرة التوحيد والإيمان ، مختاراً في ختم البعثة وتكميل الدين بعدما وصل غاية كماله وظهوره . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله ، وعرفوه حق معرفته وتوحيده ، وكمال أسمائه وصفاته مقتضى إيمانكم وعرفانكم : المداومة على ذكره { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، المتصف بجميع أوصاف الكمال ، المستجمع لجميع الأسماء الحسنى التي لا تُعد ولا تُحصى { ذِكْراً كَثِيراً } [ الأحزاب : 41 ] مستوعباً لجميع أوقاتكم وحالاتكم ، وبالغوا في ذكره ؛ كي تصلوا من اليقين العلمي إلى العيني . { وَسَبِّحُوهُ } أي : نزهوه عن جميع ما لا يليق بشأنه من لوازم الحدوث وأوصاف الإمكان { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الأحزاب : 42 ] أي : في جميع آناء أيامكم ولياليكم ، طالبين الترقي من اليقين العيني إلى اليقين الحقي . وكيف لا تذكرون الله ، ولا تسبحون له أيها المؤمنون ، مع أن شكر المنعم المفضل واجب عقلاً وشرعاً ؟ ! { هُوَ ٱلَّذِي } سبحانه { يُصَلِّي } ويرحم { عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون بذاته ، وبمقتضيات أسمائه وصفاته { وَمَلاَئِكَتُهُ } يستغفرون لكم بإذنه ، وإنما يفعل بكم سبحانه هذه الكرامة العظيمة { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ } ظلمة العدم الأصلي ، وظلمة الطبيعة الهيولي ، وظلمة الحجبة التعينية { إِلَى ٱلنُّورِ } أي : نور الوجود البحث ، الخالص على ظلمات التعينات والكثرات مطلقاً { وَكَانَ } سبحانه { بِٱلْمُؤْمِنِينَ } الموفقين على التوحيد الذاتي { رَحِيماً } [ الأحزاب : 43 ] يوفقهم إلى الإيمان بمقتضى رحمته الواسعة ، ثمَّ يصولهم إلى مرتبة التوحيد والعرفان ، مترقياً من مضيق الإمكان إلى سعة فضاء الوجوب عنايةً لهم وتفضلاً عليهم ، ثمَّ يشرفهم بشرف لقائه بلا كيف ، ولا أين بعدما انخلعوا عن جلباب الناسوت ، وتشرفوا بخلعة اللاهوت . لذلك { تَحِيَّتُهُمْ } وترحيبهم من قِبَل الحق { يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ } سبحانه : { سَلاَمٌ } أي : تسليم وتطهير عن رذائل التعينات ، ونقائص الأنانيات والهويات المستتبعة لأنواع الضلالات والجهالات { وَأَعَدَّ لَهُمْ } سبحانه نُزلاً عليهم { أَجْراً كَرِيماً } [ الأحزاب : 44 ] وجزاءً عظيماً ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمع ، ولا خطر على قلب بشر .