Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 5-8)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما سمعتم حقيقة القول في أدعياءكم وحقيته { ٱدْعُوهُمْ } أي : سموهنم أدعياءكم بأسمائهم ، وانسبوهم حين دعائكم وندائكم : إيها { لآبَآئِهِمْ } المولدين لهم حقيقة لا إلى الداعي إن علموا آباءهم الأصلية النسلية { هُوَ } أي : انتسابهم إلى آبائهم { أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } وأقوم بين المؤمنين ، وأقرب إلى الصدق ، وأبعد عن الكذب والفرية ؛ إذ كثيراً ما اشتهر دعيٌّ باسم من تبناه فأراد أن يأخذ منه الميراث ، فعليكم ألاَّ تنسبوهم إلاَّ لآبائهم الحقيقيين { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ } لتنسبوهم إليهم { فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي : فهم إخوانكم في الدين وأولياؤكم فيه كسائر المؤمنين ، فخاطبوهم مثل خطاب بعضكم بعضاً ، فقولوا له : يا أخي ، ويا صاحبي ، ووليي في الدين وغير ذلك . { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ } أيها المؤمنون { جُنَاحٌ } إثم ومؤاخذة { فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي : بقولكم هذا ونسبتكم هذه إذا صدرت عنكم هفوةً على سبيل الخطأ والنسيان ، سواء كان قبل ورورد النهي أو بعده { وَلَـٰكِن } تؤاخذون في { مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } وصدرت عنكم هذا قصداً ؛ إذ قصدكم به يؤدي إلى الافتراء ، وتضييع حقوق المؤمنين { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } في حق من أخطأ ونسي ثمَّ ذكر فتاب { رَّحِيماً } [ الأحزاب : 5 ] عليه يقبل توبته ، ويغفر ذاته . ثمَّ أشار سبحانه إلى تأديب كل من الأمم مع نبيه المؤيَّد من عنده سبحانه بأنواع التأييدات ، والمعجزات الخارقة للعادات ، المبعوث إليهم ؛ لإرشادهم وتكميلهم ، وأمرهم بحسن الأدب معهم والمحافظة على خدمتهم وحرمتهم . وكيف لا يحسنون الأدب من الأنبياء والرسل - صلوات الله عليهم - إذ كل نبي بالنسبة إلى أمته كالأب المشفق العطوف معهم ، بل هو خير آبائهم يرشدهم إلى ما هو أصلح لهم في دينهم الذي هو حياتهم الحقيقية ، فلهم أن يكونوا معه في مقام التذلل والانكسار التام ، والانخفاض المفرط بأضعاف ما وجب عليهم من حقوق الولد النسبي ؛ إذ آثار تربية الأنبياء مؤبدة مخلدة ، وآثار تربية هؤلاء الآباء متناهية منقطعة ، وإن ترتب على تأديبهم وانخافضهم معه من المثوبة الأخروية ، فإنما هي راجعة إلى تربية نبيهم . ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء ، وأكملهم في التربية والإرشاد ، فيكون أبوته أيضاً أكمل ، وإشفاقه ومرحمته لأمته التي هي أفضل الأمم أتم وأوفر ؛ لذلك قال سبحانه : { ٱلنَّبِيُّ } أي : هذا النبي المؤيَّد المبعوث إلى كافة الأمم ، المتمم لمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، المكمل لمعالم الدين مراسم المعرفة واليقين { أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } وأحق لهم أن يرجحوا جانبه على نفوسهم ، ويختاروا غبطته { مِنْ أَنْفُسِهِمْ } إذ نسبة تربيته إلى أجسادهم كنسبة تربية الأب المشفق المحافظ ابنه عن جميع ما لا يعنيه ، المراقب له في جميع أحواله ؛ ليوصله إلى الحياة الأبدية ، والبقاء الأزلية السرمدية . ونسبة تربيته نفوسهم المدبرة لأبدانهم ، وإن كانت هي أيضاً بتوفيق الله وإقداره إنما هي مقصورة إلى حفظ أجسامهم ؛ لئلا تنهم وتنخرم ، ولا تزول عنها الحياة المستعارة ، وشتان ما بين النسبتين { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي : وبعدما ثبت أن تربيته صلى الله عليه وسلم شاملة ، وأبوته كاملة صارت أزواجه اللاتي في حجوره صلى الله عليه وسلم وحضانته أمهات المؤمنين في الدين ، وحرمتهن أعظم وأولى من حرمة أمهاتهم النسبية ؛ إذ هن أتباع له صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فيسري الأدب معه إليهن ، وهن أيضاً في أنفسهن من الكمالات اللائقة لأنواع الحرمات والكرامات ، ومن جملتها : لياقتهن بشرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم . فعليكم أيها المؤمنون ألاَّ تنكحوا أزواجه أبداً ؛ إذ هن أمهاتكم { وَ } بعدما سمعتم أيها السامعون المؤمنون أن النبي خير آبائكم في الدين ، وأزواجه فُضليات أمهاتكم أيضاً فيه ، وسائر المؤمنات والمؤمنين إخوانك وأخواتكم في الدين ، لا تظنوا أن حكم أبوته صلى الله عليه وسلم وأمومتهن - رضي الله عنهن - وأخوَّة المؤمنين تسري في أحكام الميراث والعصوبة أيضاً ، بل { أُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ } والأقارب المنتمين إليكم بالقرابة النسبية على تفاوت طباقتهم ذكوراً أو إناثاً { بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ } وأحق شرعاً { بِبَعْضٍ } أي : بأخذ الميراث من بعض ؛ يعني : هم أصحاب الفروض والعصبات يأخذون متروكات المتوفى عنهم ، ويحرزونها ؛ لقرابتهم النسبية على مقتضى والعصبات يأخذون متروكاً المتوفى عنهم ، ويحرزونها ؛ لقرابتهم النسبية على مقتضى سهامهم المقدرة { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } المنزل عليكم ، الموافق لما في حضرة علمه ولوح قضائه من المنبي وأزواجه . وأجانب { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } وإن كانوا إخواناً في الدين لا يأخذون من أموالهم شيئاً بلا قرابة نسبية { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ } أي : المؤمنون منكم ، وتخرجون من أموالهم على الوجه المشروع المستحسن { إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ } في الدين مع كونهم أجانب لكم { مَّعْرُوفاً } أي : وصية مشروعة مستحسنة عقلاً وشرعاً ، غير مؤدية إلى إحراز التركة وتحريم الورثة ، وهي التي لا تكون أزيد من ثلث المال { كَانَ ذَلِكَ } أي : إخراج الوصية على الوجه المعروف { فِي ٱلْكِتَابِ } الذي يُتلى عليكم ، وفيما قبلة من الكتب المتلوة على الأمم الماضين { مَسْطُوراً } [ الأحزاب : 6 ] مثبتاً ، فللموصي له أن يأخذها على مقتضى ما ثبت في حكم الله وكتابه . { وَ } كيف لم يحسنوا الأدب أولئك المؤمنون الماضون مع أنبيائهم ، وهؤلاء معك ، مع أنَّا ما بعثنا الأنبياء والرسل ؛ إلا لإرشاد المؤمنين ، وهدايتهم إلى توحيدنا ، وإيصالهم إلى زلال تفريدنا ، وعلى ذلك أخذنا العهود والمواثيق المؤكدة من الأنبياء تأكيداً وإلزاماً ، اذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من المؤمنين ؛ ليحافظوا على ما أُمروا { إِذْ أَخَذْنَا مِنَ } عموم { ٱلنَّبِيِّيْنَ } المبعوثين إلى الأمم الماضين { مِيثَاقَهُمْ } أي : عهودهم الوثيقة المؤكدة { وَ } خصوصاً { مِنْكَ } يا أكمل الرسل { وَمِن نُّوحٍ } النجي { وَإِبْرَاهِيمَ } الخليل { وَمُوسَىٰ } الكليم { وَعِيسَى } الصفي الخالص عن كدر الناسوت من قبل الأب ؛ لأنه { ٱبْنِ مَرْيَمَ } لم يمسها ذكر من بني نوعها ، بل إنما ولدته بلا أب إرهاصاً لها ، ومعجزةً لابنها . خصَّ هؤلاء سبحانه بالذكر اهتماماً بشأنهم - صلوات الله عليهم - { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ } كرره تأكيداً ومبالغةً ؛ أي : كل واحد منهم ، وممن لم نذكر أساميهم من ذوي الغزائم الخالصة { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } [ الأحزاب : 7 ] أي : عهداً وثيقاً مؤكداً على ألاَّ تتهاونوا ، ولا تتكاسلوا في إرشاد العباد وإبعادهم عن الجور والفساد ، وإيصالهم إلى ما أعددنا لهم من المراتب العليَّة والدرجات السنيَّة . وأنزلنا عليهم الكتب والصحف المشتملة على الأوامر والأحكام المقربة لتوحيدنا ، والعبر والنواهي المعبدة عن الكفر والضلال ، وأمرناهم أيضاً بتيين الأوامر والنواهي إلى أممهم وتنبيهها عليهم ؛ ليتفطنوا على فطرتهم التي جُبلوا عليها في عالم الغيب ؛ وليتميز عندهم الحق الحقيق بالاتباع من الباطل الزاهق الزائل . كل ذلك { لِّيَسْأَلَ } سبحانه في النشأة الأخرى عن أنبيائه ورسله - صلوات الله عليهم - عن أحوال العباد { ٱلصَّادِقِينَ } الممتثلين بأوامر الله ، المجتنبين عن نواهيه { عَن صِدْقِهِمْ } وأخلاصهم في أعمالهم ونيَّاتهم فيها ، وأحوالهم ومواجيدهم واعتقادهم ، وتلقيهم لقبول الحق والمحافظة عليه ؛ ليشهد الأنبياء لهم فيفوزوا إلى ما أعد لهم من المراتب والمقامات ، وأنواع السعادات والكرامات ، مع أن علمه سبحانه بحالهم بغني عن شهادتهم ؛ ليسأل أيضاً سبحانه عن عناد العباد المصرين على الجور والفساد ، المجترئين على الله بالخروج عن حدوده وعن مقتضيات أحكامه ؛ ليشهدوا - صلوات الله عليهم - فيساقوا صاغرين مهانين إلى ما أعد الله لهم من الدركات والهوية الجهنمية { وَ } اعلموا أن الله سبحانه { أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ } الجاحدين لأوامر الله ونواهيه المنزلة في كتبه على رسله { عَذَاباً أَلِيماً } [ الأحزاب : 8 ] لا عذاب أشد إيلاماً منه .