Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-18)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما ذكر سبحانه قصة آل داوود وسليمان ومواظبتهم على شكر نعم الله وأداء حقوق كرمه ، أردف سبحانه بكفران أهل سبأ على نعمه سبحانه ، وإنكارهم على حقوق كرمه ، فقال : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } أي : لأولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان { فِي مَسْكَنِهِمْ } أي : مواضع سكناهم ، وهي باليمن ، يقال لها : مأرب ، بقرب صنعاء ، مسيرة ثلاث مراحل { آيَةٌ } عظيمة ونعمة جسيمة دالة على كمال معطيها وموجدها ، وعلى اتصافه بالأوصاف الكاملة والأسماء الحسنى ، وهي { جَنَّتَانِ } حافتان محيطتان { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أي : جنة عجيبة عن يمين بلدهم ، وأخرى عن يسارها . وبعدما أعطيناهم هاتين الجنتين المشتملتين على غرائب صنيعنا وبدائع مخترعاتنا ، قلنا لهم على طريق الإلهام : { كُلُواْ } أيها المتنعمون المتفضلون من عندنا { مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ } الذي رباكم بأنواع الكرامات { وَٱشْكُرُواْ لَهُ } نعمه ، وواطبوا على أداء حقوق كرمه مع أن بلدتكم التي تسكنون فيها { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } ماء وهواء ، بريئة عن المؤذيات مطلقاً { وَ } ربكم الذي رباكم فيها بأنواع الكرم { رَبٌّ غَفُورٌ } [ سبأ : 15 ] ساتر عليكم فرطاتكم بعدما أخلصتم في شكر نعمه وأداء حقوق كرمه . وبعدما نبهنا عليهم بشكر النعم والمداومة عليها ، لم ينتبهوا ولم يتفطنوا ، بل { فَأَعْرَضُواْ } عن الشرك ، واشتغلوا بأنواع الكفران والطغيان والإنكار على المفضل المنان ، المكرم الديان ، وبعدما انصرفوا عنا وعن شكر نعمنا { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ } وهي الحجارة المركومة بالجص والنورة ، وأنواع التدبيرات المحكمة للأبنية والأساس . وذلك أنه كان لهم سد قد بنته بلقيس بين الجبلين ، وجعلت لها ثلاث كوات بعضها فوق بعض ، وبنت دونها بركة عظيمة ، فإذا جاء المطر اجمتع عليها مياه أوديتهم ، فاحتبس السيل من وراء السد ، فيفتح الكوة العليا عند الاحتياج ، ثم الثانية ، ثم الثالثة السفلى ، فلا ينفد ماؤها إلى السنة القابلة . فلما طغوا وكفروا لنعم الله بعدما أُمروا بالشكر على ألسنة الرسل ، قيل : أرسل الله عليهم ثلاثة عشر نبياً ، فكذبوا الكل وأنكروا لهم ، سلط الله على سدهم الجُرذ - قيل : هي من من الفأرة - فنقَّبت في أسفل السد بإلهام الله إياها ، فسال الماء ، فغرقت جنتهم ودفنت بيوتهم في الرمل ، وكان ذلك من غضب الله عليهم على كفران نعمه . { وَ } بعدما أعرضوا عن شركنا ، وأرسلنا عليهم من السيل ما أرسلنا { بَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ } المذكورتين ، المشابهتين للجنة الأخروية { جَنَّتَيْنِ } أخريين ، سماهما سبحانه على سبيل التهكم والاستهزاء : { ذَوَاتَيْ أُكُلٍ } وثمر { خَمْطٍ } بشع سمج كزقوم أهل النار { وَ } ذواتي { أَثْلٍ } طرفاء لا ثمر لها { وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ } نبق { قَلِيلٍ } [ سبأ : 16 ] أي : قليل النفع ؛ إذ لا يسمن ولا يغني من جوع . { ذَٰلِكَ } الجزاء الذي { جَزَيْنَاهُمْ } من تبديل النعمة والجنة جحيماً ، واللذة ألماًَ { بِمَا كَفَرُواْ } لنعمنا ، وأنكروا لحقوق كرمنا ؛ أي : بشؤم كفرانهم وطغيانهم ، وكما غيروا الشكر بالكفران ، بدلنا عليهم الجنان بالحرمان والخذلان ، وبما كفروا لرسلنا وكذبوهم بلا مبالاة لهم وبدعوتهم ، وبجميع ما جاءوا به من عندنا إياهم { وَهَلْ نُجَٰزِيۤ } بضم النون وكسر الزاي ، بأمثال هذا الجزاء { إِلاَّ ٱلْكَفُورَ } [ سبأ : 17 ] المعرض عن شكر نعمنا ، الجاحد على حقوق لطفنا وكرمنا ، والمبالغ في ستر الحق ، المصر على الباطل الزاهق الزائل . { وَ } من كمال لطفنا وجودنا إياهم { جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ } أي : بين بلاد أهل سبأ { وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } وكثرنا الخير على ساكنيها بتوسعة الأرزاق والفواكه والمتاجر ، وهي : أرض الشام { قُرًى ظَاهِرَةً } متواصلة متظاهرة ، يُرى كل من الأخرى مترادفة على متن الطريق ؛ تسهيلاً لهم ، ليتجروا بلا كلفة وتعب { وَقَدَّرْنَا } لهم { فِيهَا ٱلسَّيْرَ } أي : في تلك القرى المترادفة على قدر مقيلهم ومبيتهم غادياً ورائحاً ، بحيث لا يحتاجون إلى حمل زاد وماء ؛ لقرب المنازل والخصب والسعة ، وبعدما أعطيناهم هذه الكرامات ، قلنا لهم على ألسنة الرسل المبعوثين إليهم أو إلهاماً لهم بلسان الحال : { سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً } على التعاقب والتوالي حيث شئتم لحوائجكم ومتاجركم { آمِنِينَ } [ سبأ : 18 ] عن جميع المؤذيات ، مصونين عن كيد الأعداء ، شاكرين لنعمنا ، غير كافرين عليها .