Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 13-19)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً } أي : مثل أكمل الرسل للمشركين المصرين على الشرك والطغيان مثلاً من الذين خلوا من قبلهم ، مصرين على الضلال والعناد أمثالهم ، بحيث لا ينفعهم إنذار منذر وإرشاد مرشد ؛ يعني : { أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ } المصرين على الشرك والعناد ، المنهمكين في بحر الغفلة والغرور ، والقرية : هي " أنطاكية " والمبشر المنذر هو عيسى - صلوات الرحمن عليه وسلامه - اذكر يا أكمل الرسل وقت { إِذْ جَآءَهَا } أي : القرية { ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 13 ] تترى من قبل عيسى عليه السلام ليشردوا أهلها إلى الإيمان والتوحيد . { إِذْ أَرْسَلْنَآ } وأمرنا لنبينا عيسى عليه السلام أولاً بالإرسال { إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ } هما يونس ويحيى ، وقيل : غيرهما ، فلما جاءا إليهم وأظهرا دعوتهم ، وكانوا من عبدة الأوثان { فَكَذَّبُوهُمَا } أي : فاجئوا في تكذيبهما بلا تراخ ومهلة وتأمل وتدبر ، وبعدما كذبوهما لم يقبلوا منهما دعوتهما ، بل ضربوهما وحسبوهما ، واستهزءوا بقولهما ودعوتهما { فَعَزَّزْنَا } أي : قويناهما وأيدنا أمرهما { بِثَالِثٍ } أي : برسول ثالث ، وهو : شمعون { فَقَالُوۤاْ } أي : الرسل بعدما صاروا جماعة : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 14 ] من قبل عيسى ، المرسل من قبل الحق ، ينذركم عما أنتم عليه من الباطل الفاسد ، وهو عبادة الأوثان ، وندعوكم إلى دعوة الحق الحقيق بالألوهية والربوبية ، المستحق للعبدية ، نرشدكم ونهديكم إلى دينه المنزل من قبل ربه . وبعدما سمع المشركون منهم ما سمعوا { قَالُواْ } في جوابهم مستبعدين منكرين : { مَآ أَنتُمْ } أيها المدعون لرسالة الواحد الأحد الصمد ، الفرد الوتر ، الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] { إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } لا مناسبة لكم مع مرسلكم الذي هو من جنس البشر ، فلا بدَّ من المناسبة بين المرسل والرسل { وَ } دعواهكم الإنزال والإرشاد من عند الإله المنزه عن المكان والجهة ما هي إلا غرور وتلبيس { مَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ } المستغني عن الزمان والمكان ، المنزه ذاته عن سمات الحدوث والإمكان { مِن شَيْءٍ } إذ امثال هذه الأفعال إنما هي من لوازم الأجاسم وأوصاف الإمكان ، وهو سبحانه على الوجه الذي وصفتم شأنه مقدس عن أمثاله { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } يعني : ظهر من دعواكم واستنادكم أمثال هذه الأفعال إلى ربكم أنه ما أنتم في دعواكم هذه إلا كاذبون ، مفترون على ربكم ما هو منزه عنه . وبعدما تفطن الرسل منهم الإنكار والإصرار المؤكد { قَالُواْ } في جوابهم أيضاً على سبيل المبالغة والتأكيد ؛ تتميماً لأمر التبليغ والرسالة : { رَبُّنَا } الذي أرسلنا إليكم بوحيه وإلهامه { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] من عنده على مقضتى إرادته واختياره ؛ إذ لا يجري في ملكه إلا ما يشاء ، ولا يقع إلا ما يريد . { وَ } ما لنا شغل بإيمانكم وقبولكم ، ولا بكفركم وشرككم ، بل { مَا عَلَيْنَآ } على مقتضى وحي الله إلينا { إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [ يس : 17 ] أي : التبليغ الصريح الظاهر والبيان الواضح الموضح لرسالته إياكم ، بلا فوت شيء منها وتقصير وتهاون بها ، وإهداؤكم وإيمانكم مفوض إليه سبحانه في مشيئته ، لا علم لنا به . وبعدما سمعوا منهم المبالغة والتأكيد ، انصرفوا عن المقاومة والمكالمة نحون التهديد بالقتل والرجم ، حيث { قَالُوۤاْ } متطيرين متشائمين من نزولهم ومجيئهم ، مستبعدين دعوتهم ، منكرين له : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } أي : تشاءمنا منا بقدوكم ؛ إذ منذ قدمتم ما نزل القطر علينا ، أخرجوا من بيننا وارجعوا إلى أوطانكم سالمين ، وانتهوا عن دعوتكم هذه الا تتفوهوا بها بعد ، والله { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ } عن هذياناتكم ومفترياتكم { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } بالحجارة ألبتة { وَ } بالجملة : لو لم تنتهوا ولم تكفوا { لَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ يس : 18 ] . وبعدما سمعتم أيها الغرباء كلامنا هذا ، فلكم الإصغاء والقبول والعمل بمقتضاه ، وإلا فقد لحق بكم ما لحق . { قَالُواْ } أي : الرسل ، بعدما سمعوا منهم ما سمعوا وتفرسوا بغلظتهم وتشددهم في الإنكار والجحود : { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } أي : سبب شؤمكم إنما هو من أنفسكم وبسوء صنيعكم وأعمالكم { أَ } لم ينتبهوا ولم يتفطنووا أنكم { ئِن ذُكِّرْتُم } وقبلتم قولنا ، واتصفتم بما ذكرنا من الإيمان والتوحيد ، لم يلحقكم شيء من المكروه ، ومتى لم تتعظوا ولم تتصفوا لحقكم ما لحقكم بشؤم أنفسكم ، فتتطيرون بنا عدواناً ولظماً { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } [ يس : 19 ] مجاوزون في الإلحاد والعناد عن سبيل الهداية والرشاد ، ومن كمال إسرافكم وإفراطكم تطيرتم بدين الله ودعوة رسله إليه .