Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 55-62)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم فصل سبحانه أحوال الأنام في النشأة الأخرى ، فقال : { إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } وهم الواصلون إلى مقر التوحيد والمعرفة علماً وعيناً وحقاً { ٱليَوْمَ } أي : يوم القيامة المعد للجزاء { فِي شُغُلٍ } عظيم من أنواع المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات القالعة لعرق التقليدات ، والتخمينات التي هي من لوازم الإمكان الذي هو من أسفل دركات النيران { فَاكِهُونَ } [ يس : 55 ] فرحون ، متلذذون أبداً بلا انقراض وانقضاء أصلاً . بل { هُمْ } في شهودهم { وَأَزْوَاجُهُمْ } التي هي نتائج أعمالهم الصالحة { فِي ظِلاَلٍ } أي : ظلال الأسماء والصفات الإلهية { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ } أي : المعارج العليَّة والدرجات السنيَّة { مُتَّكِئُونَ } [ يس : 56 ] متمكنون راسخون ، لا يتحولون منها ولا ينقلبون . بل { لَهُمْ فِيهَا } عناية منا إياهم { فَاكِهَةٌ } كثيرة من تجددات المعارف والحقائق وتلذذات المكشوفات والشهودات على مقتضى التجليات الإلهية { وَ } بالجملة : { لَهُمْ } فيها { مَّا يَدَّعُونَ } [ يس : 57 ] ويتمنون من مقتضيات التجليات المتشعشعة حسب الشئون والتطورات الإلهية التي لا نهاية لها ، بلا تناه وتكرر . وقيل لهم من قبل الحق حينئذ : { سَلاَمٌ } أي : تسليم وترحيب لهم وتكريم { قَوْلاً } ناشئاً { مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] أي : مرب مشفق لهم ، يربيهم بمقتضى سعة رحمته على فطرة التوحيد ، ويوصلهم إلى مقر الوحدة الذاتية بعدما رفعوا الشواغل المانعة عن التوجه إليها ، ورفضوا العلائق العائقة عن التمكن دونها والتحلي بها . { وَ } قيل حينئذ للمشركين المصرين على الشرك والعناد : { ٱمْتَازُواْ } وتميزوا { ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] المفرطون المسرفون في الإعراض عن الله بمتابعة الشيطان المضل المغوي عن طريق توحيدهمه . ثم قرَّعهم سبحانه وعاتبهم ؛ زجراً لهم وطرداً على وجه العموم ؛ لئلا يأمن المؤمن مع اطمئنانهم على الإيمان ورسوخهم في العرفان { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ } ولم آخذ منكم موثقاً وثيقاً في مبدأ فطرتكم وبألسنة استعداداتكم وقابلياتكم { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ } أي : بألاَّ تعبدوا { ٱلشَّيطَانَ } ولا تطيعوا منه ولا تقبلوا منه قوله ووساوسه المبعدة المحرفة لكم عن طريق توحيدي ، إنما أحذركم يا ابن آدم عن إطاعته وانقياده { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ يس : 60 ] ظاهر العداوة يريد أن يصدكم عمَّا جبلتم عليه بإغرائه وإغوائه . { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي } ووحدوني ، واعتقدوا كمال أسمائي وأوصافي واستقلالي في عموم تدبيراتي وتصرفاتي في ملكي وملكوتي ، وامتثلوا أمري ولا تشركوا معي في الوجود شيئاً من مظاهري ومصنوعاتي { هَـٰذَا } المعهود الموثوق { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ يس : 61 ] موصل إلى توحيدي ، فاتخذوه سبيلاً ، ولا تركنوا إلى الذين ضلوا عن طريقي وظلموا أنفسهم بالخروج عن مقتضى حدودي وأوامري وأحكامي وحكمي وتذكيراتي . { وَ } كيف تعبدون الشيطان وتتبعون أثره وتنقادون أمره إيها العقلاء المجبولين على فطرة الهداية والرشاد ؛ إذ { لَقَدْ أَضَلَّ } وأغوى هذا الغاوي المغوي { مِنْكُمْ } يا بني آدم { جِبِلاًّ كَثِيراً } وجماعة متعددة من بني نوعكم ، فانحرفوا بإضلاله عن سواء السبيل ونقضوا بإغوائه وإغرائه المواثيق والعهود ، فحرموا بذلك عن الجنة الموعودة لهم ، فاستحقوا جهنم البعد ونيران الخذلان { أَ } تعبدون الشيطان وتقتفون أثره { فَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } [ يس : 62 ] أي : لم تستعملوا عقولكم في فظاعة أمره وشدة عداوته ووخامة عاقبة متابعته ، وفيما يترتب على إضلاله من العذاب المخلد والنكال المؤبد ، فتختارون متابعته وتقبلون منه تغريره ، وتتركون طريق التوحيد ، أفلا تعقلون أيها المسرفون المفرطون ؟ ! .