Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 63-68)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقيل لهم حينئذ مشيراً إلى منقبلهم ومثواهم : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ } أيها الضالون ، الغاوون ، المغرورون { تُوعَدُونَ } [ يس : 63 ] في النشأة ا لأولى بألسنة الرسل والكتب . { ٱصْلَوْهَا } وادخلوها { ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ يس : 64 ] أي : بشؤم ما تنكرون بذات الله وكمال أسمائه وصفاته ، وبما تكذبون كتبه ورسله ، وتعرضون عنهم وعن دعوتهم ظلماً وعدواناً . وبعدما عاينوا العذاب وأنواع النكال ، وعلموا أن أسبابها ما هي إلا أفعالهم الصادرة عنهم في دار الاختبار عزموا على الإنكار ، وقصدوا أن يقولوا معتذرين : والله ما كنا يا ربنا مشركين لك ، مكذبين كتبك ورسلك ، فيقول الله تعالى : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ } ونمنعها عن الكلام ؛ حتى لا تتفوهوا بالأعذار الكاذبة { وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ } لتكلمن بما صدر عنهم ظلماً وعداوناً { وَتَشْهَدُ } أيضاً { أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ يس : 65 ] بها من المعاصي والسعي في طلب المنهيات والمحرمات . وبالجملة : أنطق الله القدير العليم الخبير الحكيم جميع جوارحهم وأركانهم ، فاعترف كل منها بما اقترف به صاحبه . وي الحديث - صلوات الله وسلامه على قائله : " يقال للعبد : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً ، ثم قال : فيختم على فيه ، فيقال لأركانه : انطقي ، فتنطق كل بأعماله ، ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام ، فيقول للجوارح بعدما أقرت واعترفت : بُعداً لَكُنذَ وسُحقاً ، فعنكُنَّ كنت أناضَل " انتهى الحديث . والسر في إنطاق الله سبحانه الأعضاء والجوارح بما صدر عنها هو الإشارة إلى أن الالتفات إلى السوى والأغيار مطلقاً مضر لذوي الألباب والاعتبار ، وسبب تفضيح وتخذيل لدى الملك الجبار الغيور القهار ، فلا تذهب إلاَّ إلى الله ، ولا تصحب إلاَّ مع الله ، ولا تعتمد إلاَّ بالله ، ولا تتوكل إلاَّ على الله ، فاتخذه سبحانه وكيلاً ، وكفاك سبحانه حسيباً وكفيلاً . رزقك الله وإيَّانا حلاوة صحبته ، وجنبك وإيَّانا عن الالتفات إلى غيره بمنِّه وجوده . ثم قال سبحانه إظهاراً لكمال قدرته واختباره : { وَ } كما ختمنا على أفواههم حينئذ وطبعنا على قلوبهم قبل ذلك حينما قبلوا دعوة الرسل { لَوْ نَشَآءُ } أن نعيمهم ونذهب بأبصارهم { لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } وصيرناها مطموسة ممسوحة كسائر أعضائهم ، بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق { فَٱسْتَبَقُواْ } وبادروا { ٱلصِّرَاطَ } والطريق المعهود لهم ، وهم قد مروا عليها مراراً كثيرة { فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } [ يس : 66 ] فكيف يبصرون بعدما صاروا مطموسين . بل { وَلَوْ نَشَآءُ } أي : نسقطهم عن ربقة التكليف ودرجة الاعتبار { لَمَسَخْنَاهُمْ } وأخرجناهم عن رتبة الإنسانية إلى الحيوانية ، بل عن الحيوانية إلى الجمادية أيضاً ، إلى أن صاروا جامدين خامدين { عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ } كالجمادات الأخر بحيث لا يسع أن يتحولوا عنها أصلاً { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } [ يس : 67 ] يعني : لو نشاء مسخناهم وأخرجناهم عن رتبة الخلافة والنيابة وفطرة التكليف والتوحيد ، لصيرناهم جمادات لا قدرة لهم على الذهاب والإياب أصلاً . وبالجملة : هم بسبب أعمالهم الفاسدة وأفعالهم القبيحة وأوصافهم الذميمة وأخلاقهم الغير مرضية أحقاء أن يُفعل لهم ما ذكرنا ، لكن سبقت رحمتنا واقتضت حكمتنا أن نمهلهم زماناً إلى أن يتنبهوا أو يتولد منهم من يتنبه ويتفطن . { وَ } كيف لا نقدر على الطمس والمسخ مع أنَّا بمقتضى قدرتنا وقوتنا { مَن نُّعَمِّرْهُ } منهم ، ونطيل عمره في الدنيا { نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } ونضعفه بالآخرة إلى أن نرده إلى أرذل العمر ؛ لكيلا يعلم بعد علم شيئاً ، ثم نميت الكل ونصيرهم تراباً وعظاماً ، ولا شك أن من قدر على الإحياء والإماتة والتطويل والتنكيس ، قادر على المسخ والتطميس ، فمن أين يتأتى لهم أن ينكروا قدرتنا واختيارنا في أفعالنا ، واستقلالنا في تصرفات ملكنا وملكوتنا ؟ ! { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } [ يس : 68 ] ويتأملون آثار قدرتنا الكاملة الظاهرة على الآفاق والأنفس أولئك العقلاء المتأملون حتى يتفطنوا ويتيقنوا بها .