Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 69-76)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما قال كفار مكة خذلهم الله : إن محمداً شاعر ، وما جاء به مفترى إلى ربه من جملة الأشعار والقياسات المخيلة المشتملة على الترغيبات والتنفيرات والمواعيد والوعيدات ، وإدِّعاء النبوة والوحي والمعجزة ما هو إلا قول باطل وزور ظاهر . رد الله عليهم قولهم هذا على وجه المبالغة والتأكيد فقال : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } أي : ما جعلنا فطرته الأصلية واستعداده الجبلي قابلة على القياسات الشعرية المبنية على محض الكذب والخيال والمرغب أو المنفر ، بل ما جعلناها إلا منزهة عنها ، بريئة عن أمثالها ، طاهرة عن أدناس الطبيعة مطلقاً ، خالصة عن شوائب الإمكان ولوث الجهل والتقليد ، متحلية باليقين والبرهان المنتهي إلى الكشف والعيان ، ثم إلى الحق الذي هو منتهى الأمر في باب العرفان ، بل { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } ويليق بشأنه وبشأن كتابه أن ينسب هو وهو إلى الشعر والشعراء اللذين هما أبعد بمراحل عن ساحة جلالهما ، بل { إِنْ هُوَ } أي : ما الكلام المنزل على خير الأنام { إِلاَّ ذِكْرٌ } عظة وتذكير ناشئ عن العلم والحكمة المتقنة الإلهية مشير إلى التوحيد الذاتي ، منبه عليه { وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } [ يس : 69 ] مشتمل على أحكام ظاهره وآيات واضحة وبينات لائحة ، محتوية على الأوامر والنواهي الإلهية ، والحدود والقوانين الموضوعة بالوضع الإلهي بين عباده ؛ ليوصلهم إلى طريق توحيده ، منزلة على رسوله المستعد لحمله وقبوله . { لِّيُنذِرَ } أنت يا أكمل الرسل بالتبليغ ، إن قرئ على صيغة الخطاب ، أو القرآن إن قرئ على الغيبة { مَن كَانَ حَيّاً } بحياة الإيمان ، موفقاً من عندنا باليقين والعرفان ، معدوداً عن عداد السعداء في حضرة علمنا ولوح قضائنا { وَ } ألاَّ { يَحِقَّ ٱلْقَوْلُ } ويجب الحكم منا بلحوق العذاب { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ يس : 70 ] المصرين على الكفر والعناد المائتين بموت الجهل والإ نكار . { أَ } ينكرون أولئك المنكرون المشركون توحيدنا ، ويكفرون نعمنا الفائضة عليهم على التعاقب والتوالي { وَلَمْ يَرَوْاْ } ولم يعلموا { أَنَّا } بمقتضى جودنا { خَلَقْنَا لَهُم } بمحض قدرتنا وحكتمنا { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ } بلا صنع لهم وتسبب ومظاهرة { أَنْعاماً } أجناساً وأنواعاً وأصنافاً { فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } [ يس : 71 ] متصرفون فيها ، ضابطون لها ، قاهرون عليها . { وَ } كيف لا يملكون ولا يتصرفون فيها بأنواع التصرفات مع أنَّا قد { ذَلَّلْنَاهَا } وسخرناها ؛ أي : أجناس الأنواع مع كمال قوتها وقدرتها { لَهُمْ } ولم نجعلها آبية وحشية عنهم ، بل مقهورة لهم مذللة لحكمهم ؛ لذلك { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } أي : مراكبهم التي يركبون عليها كالإبل والخيل { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 72 ] من لحومها وشحومها . { وَ } مع ذلك { لَهُمْ فِيهَا } أي : في الأنعام { مَنَافِعُ } كثيرة من أصوافها وأوبارها وأشعارها ونتائجها { وَمَشَارِبُ } من ألبانها { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } [ يس : 73 ] نعم الله الفائضة عليهم ، المهمة لهم ، المقوِّية لأمزجتهم . { وَ } من علامة كفرانهم بنعم الله ، ونسيانهم حقوق كرمه أنهم { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المستقل بالألوهية والربوبية أولياء وسموهم { آلِهَةً } مستحقة للعبادة والرجوع في المهمات وكشف الملمات { لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } [ يس : 74 ] بهم وبشفاعتهم عن بأس الله وبطشه مع أنهم لكونهم جمادات { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } ولا يقدرون { نَصْرَهُمْ } أي : نصر عابديهم ، بل { وَهُمْ } أي : العابدون { لَهُمْ } أي : للمعبودين { جُندٌ مُّحْضَرُونَ } [ يس : 75 ] حولهم ، حافظون لهم ، مزينون إياهم بأنواع التزينات ، وبالجملة : هم منسلخون عن مقتضى العقل بعبادتهم إياهم واتخاذهم أولياء شفعاء ، وتسميتهم آلهة دون الله . وبعدما سمعت يا أكمل الرسل حالهم وحال معبوداتهم { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ } بأنك شاعر أو مجنون ، وبأن كتابك شعر ، ومن أساطير الأولين ، وبأنك كاذب في دعوى الرسالة والنبوة ، وبأن إخبارك بالعبث زور باطل { إِنَّا نَعْلَمُ } بمقتضى حضرة علمنا الحضوري { مَا يُسِرُّونَ } في ضمائرهم من الكفر والإنكار بتوحيدنا واستقلالنا بالتصرف في ملكنا وملكوتنا { وَمَا يُعْلِنُونَ } [ يس : 76 ] من الفسوق والعصيان ، والخروج عن مقتضى حدودها ظلماً وعدواناً ، فجازيهم على مقتضى علمنا بهم وبأعمالهم .