Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 145-156)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان من أهل التسبيح والتقديس ، المنكشفين بوحدتنا واستقلالنا في شئوننا وتطوراتنا { فَنَبَذْنَاهُ } أي : طرحنا يونس { بِٱلْعَرَآءِ } أي : الساحل الخالي عن شيء يغطيه ويظله من شجرة وغيرها عناية منَّا إياه ونجاة له . وذلك بأن ألهمنا الحوت أولاً حين سقوطه في البحر بالتقامه ، فالتقمه بلا لحوق ضر له من الماء ، ثم ألهمناه أن يخرج رأسه من الماء حتى يتنفس في بطنه ، إلى أن بلغ الساحل . قيل : كان في بطنه يوماً أو بعض يوم ، وقيل : ثلاثة أيام ، أوسبعة وعشرين ، أو أربعين . فلما بلغ الساحل أخرجه من بطنه ، ولفظه الموج إلى الساحل العاري عن الظل ، والشمس في غاية الحرارة { وَهُوَ } حينئذ { سَقِيمٌ } [ الصافات : 145 ] ضعيف ، صار بدنه كبدن الطفل حين ولد . { وَ } بعدما لم يكن له متعهد ، وليس هناك مظلة ولا شيء يحفظه من الذباب { أَنبَتْنَا عَلَيْهِ } في الحال من كمال رحمتنا وعطفنا معه { شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } [ الصافات : 146 ] وهي : شجرة تنبسط على وجه الأرض ، ولها أوراق عظام بلا ساق تقوم عليه - قيل : هي الدباء - فغطيناه بأورقها وربيناه بظلها ؛ إذ ظلها من أكرم الأظلال وأحسنها هواء ، وألهمنا أيضاً إلى وعلة - وهي المعز الوحشي - حتى جاءت عنده صباحاً ومساءً ، وهو شرب لبنها ، إلى أن قوي وقوَّم مزاجه على الوجه الذي كان . { وَ } بعدما ربيناه كذلك { أَرْسَلْنَاهُ } من مرة أخرى { إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] أي : الناظرون في بادئ النظر ؛ يعني : حكم الناظر عليهم على التخمين والظن ، فيقول : إنهم مائة ألف أو أكثر ، وهؤلاء هم الذين قد هرب منهم أولاً ، وهم أصحاب " نينوى " هي قرية من قرى الموصل . { فَآمَنُواْ } وقبلوا منه دعوته بعدما أُرسل إليهم ثانياً { فَمَتَّعْنَاهُمْ } مؤمنين مصدقين موحدين { إِلَىٰ حِينٍ } [ الصافات : 148 ] أي : إلى انقضاء آجالهم . ثم لما أثبت مشركو مكة - خذلهم الله - لله المنزه عن الأنداد والأشباه ولداً ، بل أوضع الأولاد وأدناها ، وهي الأنثى ، ونسبوا الملائكة الذين هم من أشرف المخلوقات المنزهون عن لوازم الأجسام مطلقاً إلى الأنوثة ، التي هي بمراحل عنها ، حيث قالوا : إن الملائكة بنات الله ، ولم يكن له ابن ، وتمادوا على هذا إلى حيث اتخذوها مذهباً ، وبالغوا في ترويجه . ردَّ الله عليهم أبلغ وجه وآكده ، حيث أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم بالاستفتاء والاستفسار عن قولهم هذا ، ونسبتهم هذه فقال : { فَٱسْتَفْتِهِمْ } ورسلهم ؛ أي : كفار مكة يا أكمل الرسل ، واستخبرهم على سبيل التوبيخ والتقريع { أَلِرَبِّكَ } أي : أيثبتون لربك الواحد الأحد الصمد ، الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] { ٱلْبَنَاتُ } أي : أوضع الاولاد وأرادها { وَلَهُمُ } أي : لأنفسهم { ٱلْبَنُونَ } [ الصافات : 149 ] تعالى سبحانه عما يقولون . { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ } أي : أتظنون وتعتقدون أنَّا خلقنا الملائكة الذين هم من سدنة سدتنا السنية ، وخدمة عتبتنا العلية { إِنَاثاً وَهُمْ } وحين خلقنا إياهم { شَاهِدُونَ } [ الصافات : 150 ] حاضرون ، يشهدون أنوثتهم ويبصرونها ، مع أنها لا مجال للعقل إلى الاطلاع بأنوثتهم ، ولم ينقل منَّا أحد من الرسل والأنبياء ، مع أنه لا سبيل للحواس الأخر إلى دركها سوى البصر ، ومن أين يتأتى لهم الحضور حينئذ ؟ ! . ثم قال سبحانه على وجه التنبيه والاستبعاد : { أَلاَ } أي : تبهوا أيها المؤمنون الموقنون بوحدة الله ، ووجوب وجوده ، وتقدسه عن لوازم الإمكان مطلقاً { إِنَّهُم } أي : أولئك الضالون المغمورون في الجهل والطغيان { مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ } [ الصافات : 151 - 152 ] الواحد الأحد المستغني لذاته عن الأهل والولد ، قولاً باطلاً ظلماً وزرواً { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الصافات : 152 ] فيما يقولون ، مقصورون على الكذب المحض بلا مستند عقلي أو نقلي . { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ } أي : أتعتقدون أيها الجاهلون بقدر الله ووحدة ذاته المستغنية عنه ملطق المظاهر والمحال ، فيكف عن لوازم الحدوث والإمكان الذي هو أمارات الاستكمال والنقصان ، إنه سبحانه مع كمال تعاليه وتقدسه ، اصطفى واختار لنفسه البنات المسترذلة الدنية { عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } [ الصافات : 153 ] الذين هم أشرف بالنسبة إليهن ، وأكمل خَلقاً وخُلقاً ، وكمالاً وعلماً ، ورشداً ويقيناً ؟ ! . { مَا لَكُمْ } وما شأنكم ولحق بكم أيها المفسدون المفرطون { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ الصافات : 154 ] على الله ما لا يرتضيه العقل ، ولا يقتضيه النقل ؟ ! . { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ الصافات : 155 ] ولا تتذكرون أن ذاته سبحانه منزه عن أشرف الأولاد فكيف عن أردئها ؟ ! . { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ } حجة وبرهان نقلي { مُّبِينٌ } [ الصافات : 156 ] واضح في الدلالة على مدَّعاكم هذا ؟ ! .