Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-64)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
خذ { هَـٰذَا } أيها المتشمر نحو الحق ، والراغب إلى ما عنده من موائد الإنعام والإفضال ، وكما فضلنا على المطيعين بأنواع التعظيم والتنعيم ، وكرمناهم بأنواع الكرامة والتكريم ، انتقمنا عن العاصين الجاحدين { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } الذين طغوا علينا بخروجهم عن مقتضيات حدودنا الموضوعة فيهم ، المنبهة إلى مبدئهم ومعادهم { لَشَرَّ مَآبٍ } [ ص : 55 ] وأسوا منقلب ومئاب على عكس المطيعين المتقين . يعني : { جَهَنَّمَ } البعد والخذلان وجحيم الطرد والحرمان { يَصْلَوْنَهَا } ويدخلون فيها بأنواع حسراتهم والزفرات بين أصناف العقارب والحيات ، وأنواع الحشرات المصورة لهم من سيئات أعمالهم التي أتوا بها في دار الاختبار ونشأة الاعتبار ، وبالجملة : { فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ ص : 56 ] والفراش مهد أصحاب الجحيم وفراشهم . { هَـٰذَا } منقلبهم ومآبهم ، ثم بعدما دخلوا في النار ، قيل لهم من قبل الحق لخرنة جهنم : { فَلْيَذُوقُوهُ } أي : كل واحد منهم نزلاً لهم شراباً ، هو { حَمِيمٌ } وهو الماء الحار الذي يشوي وجوههم ويخرق أمعاءهم ، يسخنه نيران شهواتهم التي أتوا بها على خلاف ما أمر الله وحكم عليه { وَغَسَّاقٌ } [ ص : 57 ] الماء البارد الزمهريري الذي يتجمد في فيهم ، وفي أجوافهم ، يبرده كمال بلادتهم وجهلهم بالله الحكيم العليم ، وبما وضع سبحانه من الحدود والأحكام الصادرة عن محض الحكمة المتقنة المتعلقة لإصلاح أحوالهم ، { وَآخَرُ } أيضاً { مِن شَكْلِهِ } أو من جنس الشراب المذوق ومثله ، أو " وأُخر " من أنواعه على القراءتين { أَزْوَاجٌ } [ ص : 58 ] أصناف وأنواع ، بعضها أسوأ من بعض ؛ ليكون عذاباً فوق عذاب . ثم لما اقتحم القادة من أصحاب النار ، وأدخلوا أنفسهم عليها خوفاً من الموكلين الذين يسوقوهم نحوها بمقامع من حديد ، وازدحم عيبهم أتباعهم على الفور ، فضيقوا على القادة مكانهم ، وصرخوا على الخزنة من تضييقهم ، قال الخزنة لهم بعدما سمعوا صيحتهم وصراخهم : { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ } بعدكم ، معقبين عليكم مضيقين عليكم ، فالتفتوا أثرهم أهؤلاء أتباعنا { مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ } ولا يوسع عليهم { إِنَّهُمْ } أيضاً { صَالُواْ ٱلنَّارِ } [ ص : 59 ] أي : داخلوها أمثالنا . ثم لما سمع الأتباع قول قادتهم هذا : { قَالُواْ } على سبيل المعارضة والمخاصمة : { بَلْ أَنتُمْ } أيها الضالون المضلون حقاً أن يقال لكم : { لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } إذ { أَنتُمْ } بشؤم إضلالكم وإغرائكم { قَدَّمْتُمُوهُ } اي : الكفر الذي هو سبب دخول النار ، وابتدأتموه أولاً ، ثم أغريتمونا بتغريركم وتضليلكم ، حتى كفرنا بسعيكم ، وابتلينا بها أمثالكم { لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [ ص : 60 ] أي : بئس مقرنا ومقركم جنهم الطرد والحرمان . وبعدما بالغ الأتباع في تعيير القادة وتشنيعهم ، تضرعوا نحونا داعين على رؤسائهم ؛ حيث { قَالُواْ رَبَّنَا } يا من ربانا على فطرة التوحيد ، وأشركناك بشؤم هؤلاء المشركين المضلين ، ونرجو من عدلك { مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا } ودلنا عليه بتغريره { فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً } أي : ضعف عذابنا { فِي ٱلنَّارِ } [ ص : 61 ] إذ نحن ضالون ، وهم ضالون مضلون . { وَقَالُواْ } أي : الرؤساء القادة بعدما توغلوا في ألوان العذاب على سبيل التحسر والتقريع على أنفسهم : { مَا لَنَا } أي : أي : شيؤء عرض لنا ، ولحق بأبصارنا { لاَ نَرَىٰ رِجَالاً } فقراء أراذل بيننا ، أحاطتهم أنواع الفاقة والعناء كذلك { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } [ ص : 62 ] الأراذل الساقطين عن درجة الاعتبار ، وبالغنا في طردهم . حيث { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً } واستهزأنا معهم تهكماً وتقريعاً ، لا نرى اليوم منهم أصلاً في النار ، أهم مايدخلون النار كما هو دعواهم { أَمْ } هم أيضاً داخلون ، لكن { زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } [ ص : 63 ] أي : مالت عن رؤيتهم أبصارنا ، واحتجبوا منَّا ؛ يعنون بهؤلاء الرجال : فقراء المسلمين الذين استرذلوهم واستهزءوا معهم . ثم قال سبحانه على سبيل المبالغة والتأكيد : { إِنَّ ذَلِكَ } الذي حكينا عن أهل النار { لَحَقٌّ } مطابق للواقع ، لا بدَّ أن يتكلموا به حين دخولهم فيها ، وهو { تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [ ص : 64 ] في النار على الوجه الذي ذُكر .