Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 65-74)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما بالغ سبحانه في حقية ما حكى عن أهل النار ، أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم بأن بلغ للأنام التوحيد المبعد لهم عن النار والعذاب المؤبد فيها ، فقال : { قُلْ } يا أكمل الرسل للمشركين المستحقين لعذاب النار إنقاذاً لهم عنها ، وإن قبلوا منك قولك : { إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ } لكم بإذن الله ووحيه عن أمثال ما ذكر من العذاب في النشأة الأخرى { وَ } أعلموا أنه { مَا مِنْ إِلَـٰهٍ } يُعبد بالحق ، ويُرجع إليه في الخطوب ، ويُلتجأ نحوه في النوائب والمصائب { إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } الأحد الصمد الحي القيوم الذي لا شريك له في الوجود ، ولا شيء غيره في الشهود { ٱلْقَهَّارُ } [ ص : 65 ] للأغيار مطلقاً ؛ إذ { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 88 ] رجوع الأظلال إلى الشمس ، والأمواج إلى البحر . وهو بتوحيده واستقلاله { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي : مظهر كل ما في العلو والسفل وما في حشوهما ، والمحاط بهما ؛ إذ الكل منه بدأ وإليه يعود ، وكيف لا وهو { ٱلْعَزِيزُ } الغالب على أمره في خلقه وحكمه ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ؛ إذ هو { ٱلْغَفَّارُ } [ ص : 66 ] الستَّار المحَّاء لهويات الأغيار ، وهياكل الأظلال الغير القار . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما بينت لهم توحيد الحق ، واستقلاله في تصرفاته وتدابيره : { هُوَ } أي : الذي بلغت لكم بوحي الله من إحاطة الحق ، وشموله لجميع ما لمع عليه بروق تجلياته { نَبَأٌ عَظِيمٌ } [ ص : 67 ] وخبر خطير ، يخبركم به الحق ، وينبهكم عليه من كمال إعطافه وإشفاقه ؛ لينقذكم به عن عذابه المترتب على كفركم وشرككم . { أَنتُمْ } من كمال توغلكم في الجهل والظلال { عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 68 ] مع أنه أنفع لكم وأصلح بحالكم ، وهو سبحانه أعلم بشأنكم منكم ، ويمقتضى علمه بحالكم ، أنزل كتابه عليكم ليرشدكم إلى جهة معرفته ووجهة توحيده ، ومالي إلا تبليغ ما أُوحي إلي كسائر الرسل . إذ { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } أي : الملائكة السامويين { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ ص : 69 ] وقت خلافة آدم ونبوته ونيابته ، فألهمني الله بوحيه ما جرى عليهم من الحجج والمعارض ، وإفحامهم بعد جدالهم واصطفاء الله إياه ، وأمرهم بسجوده تكريماً وتعظيماً . وبالجملة : { إِن يُوحَىٰ } إي : ما يوحى { إِلَيَّ } من عند ربي { إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ ص : 70 ] أي : إنما أنا منذر لكم عن أن يفتنكم الشيطان وجنوده المرتكزة في هياكلكم ، فيضلوكم عن سبل السلامة وطرق الاستقامة الموصلة إلى وحدة ذات الحق وكمال أسمائه وصفاته . اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ رَبُّكَ } الذي رباك على مقتضى الجمعية المنتهية إلى الوحدة الذاتية التي جئت لإظهارها وإيضاح منهجها { لِلْمَلاَئِكَةِ } المهيمين بمطالعة وجهه الكريم على سبيل المشورة معه ؛ ليظهر كرامة آدم وجلالة قدره : { إِنِّي } بمقتضى بدائع صنعتي وغرائب قدرتي { خَالِقٌ } أي : مظهر موجد { بَشَراً } أي : جسداً متخذاً { مِّن طِينٍ } [ ص : 71 ] ليكون مرآة يتراءة فيها عموم أوصافي وأسمائي . { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } وعدلت قالبه على الوجه الذي جرى في حضرة علمي ولوح قضائي { وَنَفَخْتُ فِيهِ } بعد تعديله { مِن رُّوحِي } أي : أفيض عليه من حياتي ومن مقتضيات أسمائي وصفاتي ؛ ليستحق بخلافتي ونيابتي ، ويظهر فيه ومنه آثار أسمائي وصفاتي { فَقَعُواْ لَهُ } وخرُّوا عنده ؛ لتعظميه وتكريمه { سَاجِدِينَ } [ ص : 72 ] متذللين له ، واضعين جباهكم على تراب المذلة دونه . ثم لما سمع الملائكة منه سبحانه ما سمعوا { فَسَجَدَ } له { ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [ ص : 73 ] امتثالاً للأمر الوجوبي { إِلاَّ إِبْلِيسَ } المعدود من عدادهم ، والمنخرط في سلوكهم { ٱسْتَكْبَرَ } عن سجوده وتعظيمه { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } [ ص : 74 ] بترك الانقياد للأمر الإلهي .