Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 21-22)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أتتعجب وتستبعد من الله إنجاز المواعيد الموعودة من عنده ؟ ! { أَلَمْ تَرَ } أيها المعتبر الرائي { أَنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر بالإرادة والاختيار { أَنزَلَ } وأفاض بمقتضى جوده المعهود { مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : عالم الأسماء والصفات { مَآءً } أي : حياة مترشحة من عين الوجود ، وبحر الذات { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ } أي : أدخله في ينابيع التعينات ، والهويات المنعكسة من تلك السماء والصفات ، وأجراه { فِي ٱلأَرْضِ } أي : الأرض الطبيعية القابلة لقبول الآثار الفائضة { ثُمَّ } بعد إخراجه عليها { يُخْرِجُ بِهِ } يمقتضى حكمته المتقنة { زَرْعاً } أي : هياكل أنواعاً ، وأصنافاً مثمرة ثمر العقائد والمعارف والحقائق { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } حسب اختلاف الاستعدادات الفائضة عليها من عنده . { ثُمَّ يَهِـيجُ } أي : بعدما ظهر منها ما ظهر ، وترتب عليها ما ترتب ، يجف وييبس إلى حيث يذهب نضارتها ورواؤها المترتب على الإمداد الإلهي { فَـتَرَاهُ } حنيئذ { مُصْفَـرّاً } مشرفاً على الانهدام والانعدام { ثُمَّ يَجْعَلُهُ } يقبض ما فيه من رشاشات الحياة { حُطَاماً } فتاتاً ورفاتاً ، تذروه رياح الآجال ، وتعيده إلى ما عليه من العدم { إِنَّ فِي ذَلِكَ } المذكور { لَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ الزمر : 21 ] أي : تذكيراً بليغاً ، وبرهاناً قاطعاً على وجوب وجود من هو منبع الجود ، ومبدأ جميع الموجود ، لا يطرؤه زوال ، ولا يعرضه انتقال ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، إلا أنه يتذكر به ، ولا يتنبه منه إلا أولوا الألباب ، الناظرون بنور الله على لُبِّ الأمور ، المعرضون عن قشوره . ثم قال سبحانه : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } يعني : أيستوي من وسع الله قلبه بنزول توحيده ، ووفقه لقبل شرائع الإسلام ومعالم الدين المبين لدلائل التوحيد واليقين { فَهُوَ } بواسطة تشرح الله وتوفيقه أياه { عَلَىٰ نُورٍ } انكشاف تام يقين كامل { مِّن رَّبِّهِ } بحيث يفنى فيه ، ويبقى ببقائه ، وينظر بنوره ، ومن طبع الله على قلبه ، وختم على سمعه وبصره ، فأعماه عن إبصار آيات وجوب وجوده ، وأصمته عن استماع دلائل توحيده ؟ ! كلا وحاشا . بل { فَوَيْلٌ } عظيم ، وعذاب شديد معد { لِّلْقَاسِيَةِ } المضيقة المكدرة { قُلُوبُهُمْ مِّن } سماع { ذِكْرِ ٱللَّهِ } واستماع ما نزل من عنده من الآيات العظام الدالة على وحدة ذاته ووجوب وجوده { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون عن ساحة عز القبول والحضور { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الزمر : 22 ] وجهل عظيم ، وغفلة شديدة ، وغشاوة غليظة ، لا نجاة لهم منها . وبالجملة : لا يرتفع عن عيون بصائرم حجبهم الكثيفة أصلاً { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] .