Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 9-10)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال سبحانه : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } أي : يتعجب المشرك المثبت لنا شركاء وأنداداً من تهديدنا إياه بالنار وعذابها ، فيظن أن من هو قائم على أداء العبادات ، مواظب عليها { آنَآءَ ٱلَّيلِ } أي : في خلاله وأطراف النهار { سَاجِداً } متذللاً واضعاً جبهته على تراب المذلة من خشيتنا { وَقَآئِماً } على قدميه مدة متطاولة تعظيماً لأمرنا ، مع أنه { يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ } أي : العذاب الأحق فيها بمقتضى جلالنا وسخطنا { وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } على مقتضى لطفه وجلاله وجماله كهؤلاء الكفرة بالله ، الجهلة بشأنه ، المتخذين له سبحانه أنداداً ظلماً وزوراً ، مع تعاليه عنه سبحانه . وبعدما تفرست يا أكمل الرسل منهم هذا الظن والتسوية { قُلْ } لهم على سبيل التبكيت والإلزام ، مستفهماً أياهم على سبيل التوبيخ والتقريع : { هَلْ يَسْتَوِي } المكلفون { ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ } الحق بذاته وأسمائه وأوصافه ، ويعبدون له سبحانه بمقتضى علمهم به ، وبأوامره ونواهيه { وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ذاته ولا شيئاً من أوصافه وأسمائه ، ولا يعبدون له أيضاً ؟ كلا وحاشا ، من أين تتأتى المساواة ، فشتان ما بين العالم والجاهل ، والعابد والعاصي ، إلا أنه { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ الزمر : 9 ] أي : ما يتذكر ويتعظ بأمثال هذه المواعظ والتذكيرات المنبهة على سرائر التوحيد ، إلا أولو الألباب الناظرون إلى لُبِّ الأمور ، المعرضون عن قشوره . { قُلْ } يا أكمل الرسل نيابة عنَّا منادياً لخلص عبادنا : { يٰعِبَادِ } أضافهم إلى نفسه اختصاصً وتكريماً { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } منكم بوحدة ذاتي وظهوري حسب شئوني وتطوراتي بمقتضى أسمائي وصفاتي ، مقتضى إيمانكم التقوى عن مقتضيات الهوى { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } واجتنبوا عن محارمه ومنهياته ، واتصفوا بمأموراته ، واعلموا أنه { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } الأدب مع الله { فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } التي هي نشأة الاعتبار والاختيار { حَسَنَةٌ } وبأضعافها وآلافها أيضاً في الآخرة التي هي دار القرار ، فاعتبروا يا أولي البصائر والأبصار . فعليكم الإتيان بالإحسان في كل حين وأوان وزمان ومكان { وَ } لا تفتروا عنه ، وعن المواظبة عليه بتفاقم الأحزان وتلاطم أمواج الفتن في الأوطان ؛ إذ { أَرْضُ ٱللَّهِ } المعدة لأداء العبادات والاشتغال بالطاعات { وَاسِعَةٌ } فسيحة ، فعليكم الجلاء لأجل الفراغ والخلاء ، فتهاجروا إليها متحملين ما لحقكم من الشدائد والمتاعب في الانتقال ، صابرين على مفارقة الأوطان والخلان ، ومصادفة الكروب والأحزان ، واعلموا { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ } المتحملون لأنواع الشدائد والمشاق في طريق الإيمان { أَجْرَهُمْ } ويوفر عليهم الحسنات وأنواع المثوبات والكرامات { بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ الزمر : 10 ] إلى توفية وتوفير لا يمكن ضبطه بالعد والإحصاء تفضلاً عليهم وتكريماً . وفي الحديث صلوات الله على قائله : " تنصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج ، فيوفون بها أجورهم ، ولا ينصب لأهل البلاء ، بل يصب عليهم الأجر ، وحتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض ، مما يذهب به أهل البلاء من الفضل " .