Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 27-30)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم كرر سبحانه ذكر التوبة والرجوع عن المزخرفات الباطلة المانعة من الوصول إلى دار السرور حثاً للمؤمنين إليها ؛ ليفوزوا بمرتبة التوحيد بقوله : { وَٱللَّهُ } المرشد لكم إلى توحيده الذاتي { يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : يفوقكم على التوبة التي هي الرجوع عما سوى الحق مطلقاً ، ومتى انفتح عليكم باب التوبة انفتح باب الطلب المستلزم للترقي والتقرب نحو المطلوب ، إلى أن يتولد من الشوق المزعج إلى المحبة المفنية لغير المحبوب مطلقاً ، بل نفس المحبة بل نفس المحبوب أيضاً ، كما حكي عن مجنون العامري أنه وله يوماً من الأيام واستغرق في بحر المحبة إلى أن اضمحلت عن بصره غشاوة التعيينات مطلقاً ، بل ارتفع حجب الاثنينية رأساً ، وفي تلك الحالة السريعة الزوال تمثل ليلى قائمة على رأسها فصاحت عليه صيحة : عمن اشتغلت يا مجنون ؟ فقال : طاب وقته وعنى على حالٍ فإن حبك شغلني عنك وعني . ثم قال سبحانه : { وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ } يضلونكم عن طريق التوحيد المسقط لجميع الرسوم والعادات بوضع طرقٍ غير طريق الشرع مبتدعاً أو منسوباً إلى مبتدع ، وعينوا فيه اللباس والكسوة المعنية ، ومع ذلك { يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَاتِ } ويبيحون المحرمات ، ويرتكبون المنهيات إرادة { أَن تَمِيلُواْ } وتنحرفوا عن جادة التوحيد بأمثال هذه الخرافات والهذيانات { مَيْلاً عَظِيماً } [ النساء : 27 ] وانحرافاً بليغاً لا يستقيم لهم أصلاً . { يُرِيدُ ٱللَّهُ } المدبر لأحوالكم { أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } أيها المؤمنون أثقالكم التي هي سبب احتياجاكم وإمكانكم { وَ } الحال أنه قد { خُلِقَ ٱلإِنسَانُ } في مبدأ الفطرة { ضَعِيفاً } [ النساء : 28 ] لا يحتمل تحمل أثقال الإمكان مثل الحيوانات الأخر . خفض عنا بفضلك ثقل الأوزار ، واصرف عنا شر الأشرار بمقتضى جودك وارزقنا عيشة الأبرار . ثم نبه سبحانه على المؤمنين بما يتعلق بأمور معاشهم مع بني نوعهم ؛ ليهذبوا به ظاهرهم ، فقال منادياً لهم ليهتموا باستماعها وامتثالها : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله ورسله وكتبه عليكم أن { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ } أي : بعضكم مال بعض بلا رخصةٍ شرعية بل { بِٱلْبَٰطِلِ } ظلماً وزوراً سواء كانت سرقةً أو غصباً ، أو حيلةً منسوبة إلى الشرع افتراءً أو رباً أو تلبيساً وتشيخاً كما يفعله المتشيخة ، ويأخذون بسببها حطاماً كثيرة من ضعفاء المؤمنين ، واعلموا أيها المؤمنون أن مال المؤمن على المؤمن في غير العقود المتبرعة حرام { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً } معاملة ومعاوضة حاصلة { عَن تَرَاضٍ } مراضاة { مِّنْكُمْ } منبعثة عن اطمئنان نفوسكم عليها بلا اضطرار وغرر . { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } ولا تلقوها بأيديكم في المهالك التي جرت بين أرباب المعاملات من الربا والخداع والتغرير والتلبيس وغير ذلك من أنواع الحيل ؛ حتى لا تنحطوا عن مرتبتكم الأصلية ومنزلتكم الحقيقية التي هي مرتبة العدالة ؛ إذ لا خسران أعظم من الحرمان منها - أدركنا بلطفك يا خفي الألطاف - { إِنَّ ٱللَّهَ } المنبه عليكم بأمثال هذه التدبيرات الصادرة عن محض الحكمة والمصلحة { كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } [ النساء : 29 ] مشفقاً عليكم ، مريداً إيصالكم إلى ما خلقكم لأجله وأوجدكم لحصوله . { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي : ما يحذر عنه من المهالك ويمقت نفسه بالعرض عليها لا عن جهل ساذج بل عن جهل مركب اعتقدها حقاً { عُدْوَاناً } مجاوزاً مائلاً عن الحق إصراراً { وَظُلْماً } خروجاً وميلاً عن طريق الشرع الموضح سبيل التوحيد { فَسَوْفَ } ننتقم عنه يوم الجزاء { نُصْلِيهِ } ندخله { نَاراً } حرماناً دائماً عن ساحة عز الحضور وطرداً سرمدياً عن فضاء السرور ، بك نعتصم يا ذا القوة المتين { وَ } لا تغفلوا أيها المنهمكون للاقتحام في المهالك المتعلقة لأمر المعاش عن انتقام الله القادر القدير الغيور إياكم ، ولا تعتقدوا عسره بالنسبة إليه ؛ إذ { كَانَ ذٰلِكَ } الانتقام عن تلك الآثام { عَلَى ٱللَّهِ } الميسر لكل عسير { يَسِيراً } [ النساء : 30 ] وإن استعسرتم في نفوسكم ؛ إذ لا راد لإرادته ولا معقب لحكمه ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .