Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 10-14)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أشار سبحانه إلى تفضيح من كفر بالله ، وكذَّب بما نزل من عنده من الأوامر والنواهي الجارية بمقتضى وحيه على ألسنة رسله وكتبه في النشأة الأولى ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله وأنكروا بوحدة ذاته وسريان وجوده الواحداني الذاتي على جميع مظاهر الكائنات حسب شئون الأسماء والصفات ، بأن أشركوا فيه سبحانه ، وأثبتوا وجوداً لغيره ، وادعوا ترتب الآثار عليه { يُنَادَوْنَ } في الطامة الكبرى ، والنشأة الأخرى حين ظهر الحق ، واستقر على مقر العز والتمكين ، وانقهر الباطل الزاهق الزائل ، واضمحل التلون والتخمين { لَمَقْتُ ٱللَّهِ } أي : طرده وتحريمه لكم اليوم { أَكْبَرُ } وأفظع { مِن مَّقْتِكُمْ } وتحريمكم { أَنفُسَكُـمْ } من موائد لطفه وإحسانه سبحانه . وذلك { إِذْ تُدْعَوْنَ } أي : وقت دعوة الأنبياء والرسل إياكم بإذن الله ووحيه { إِلَى ٱلإِيمَانِ } به سبحانه وبتوحيده { فَتَكْفُرُونَ } [ غافر : 10 ] حينئذ ، وتسترون شروق شمس ذاته بغيوم هوياتكم الباطلة جهلاً وعناداً ، بل تشركون له غيره في الألوهية والوجود ، وتعبدون له كعبادته سبحانه . وبعدما سمعوا ما سمعوا من النداء الهائل المهول { قَالُواْ } بلسان استعداداته متحسرين متضرعين : { رَبَّنَآ } يا من ربانا على فطرة معرفتك وتوحيدك ، فكرناك وأشركنا بك غيرك ، قد ظهر لنا اليوم حقية ما ورد علينا من قبل بعدما { أَمَتَّنَا } وافنيتنا في هوتك مرتين { ٱثْنَتَيْنِ } مرة في النشأة الأولى بانقضاء الأجل المقدرمن عندك ، ومرة في النشأة الأخرى بعد النفحة { وَ } كذا { أَحْيَيْتَنَا } وأبقيتنا ببقائك مرتين { ٱثْنَتَيْنِ } مرة عند حشرنا من أجداث طبائعنا ، ومرة بعد النفخة الثانية للعرض والجزاء . وبعدما لاح علينا من دلائل توحيدك وكمال قدرتك ما لاح { فَٱعْتَرَفْنَا } الآن { بِذُنُوبِنَا } التي صدرت عنَّا من غاية غفلتنا وجهلنا بك وبقدرتك ، ووحدة ذاتك واستقلالك في آثارك الصادرة عنك { فَهَلْ } لنا اليوم مجال { إِلَىٰ خُرُوجٍ } من عذابك الذي أعددت لنا بمقتضى عدلك حسب جرائمنا وآثمانا { مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] إلى الخلاص والنجاة منه . ثم بعدما تضرعوا من شدة هولهم وفظاعة أمرهم ما تضرعوا ، نودوا من وراء سرادقات القهر والجلال : { ذَلِكُم } أي : العذاب الذي أنتم فيه { بِأَنَّهُ } أي : بسبب أنه { إِذَا دُعِيَ } وذكر { ٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { وَحْدَهُ } أي : على صرافة وحدته ، واستغنائه عن العالم وما فيه { كَـفَرْتُمْ } وأنكرتم وجوده وكمال أوصافه وأسمائه ، وكذبتم رسله المبعوثين إليكم للتبليغ والتبيين { وَإِن يُشْرَكْ بِهِ } ويثبت له شركاء { تُؤْمِنُواْ } وتقروا بالشركاء ، وتعتقدوا وجودها ، وتصدقوا من تفوه بها { فَٱلْحُكْمُ } المحكم والقضاء الحتم المبرم الآن { للَّهِ } المنزه ذاته عن أن يتردد فيه أو يشرك { ٱلْعَلِـيِّ } الغني شأنه عن إيمان المؤمن وكفر الكافر { ٱلْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] المتعال وحدة ذاته عن أن يحوم حوله إقدام الإقرار والإنكار . وكيف تنكرون له سبحانه ، وتشركون فيه مع أنه سبحانه { هُوَ } الله الكامل في الألوهية والربوبية { ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } الدالة على وحدة ذاته { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : سماء الأسماء المربية لكم من لدنه { رِزْقاً } صورياً ومعنوياً تتميماً لتربيتكم وتكميلكم { وَمَا يَتَذَكَّرُ } ويتعظ منكم بآياته { إِلاَّ مَن يُنِيبُ } [ غافر : 13 ] إليه ، ويرجع نحوه طالباً الترقي من حضيض التقليد والتخمين إلى ذروة التحقيق واليقين . وإذا سمعتم كمال تربيته وتكميله سبحانه { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد ، وتوجهوا نحوه ، واعبدوا حق عبادته أيها المكلفون بمعرفته وتوحيده حال كونكم { مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي : الإطاعة والانقياد بلا رؤية الوسائل والأسباب العادية في البين { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } [ غافر : 14 ] المكابرون إطاعتكم إياه ، ورجوعكم إليه على وجه الإخلاص والختصاص .