Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 15-20)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكيف لا يدعون ويعبدون له سبحانه ، مع أنه هو في ذاته { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ } أي : درجات قربه ووصوله رفعية ، وساحة عز حضوره منيعة لا يسع لكل قاصد أن يحوم حولها ، إلا بتوفيق منه سبحانه وجذب من جانبه { ذُو ٱلْعَرْشِ } العظيم ؛ إذ لا ينحصر مقر استيلائه وظهوره بمظهر دون مظهر ومجلى دون مجلى ، بل له مجالي إلى ما شاء الله ؛ إذ هو بمقتضى تجليه الجمالي { يُلْقِي ٱلرُّوحَ } على وجه الأمانة ويمد الظل { مِنْ أَمْرِهِ } بمقتضى حبه الذاتي { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : استعدادات مظاهرة المسظلين بظلال أسمائه وصفاتخ ، وبعد إلقائه ومدِّة إياهم ، كلفهم بما كلفهم من الأوامر والنواهي المصححة للعبودية اللازمة للألوهية والربوبية ، وإنما كلفهم بما كلفهم { لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [ غافر : 15 ] أي : يخوفهم عن زمان الوصول والرجوع في النشأة الأخرى ، والطامة الكبرى التي ترد فيها الأمانات إلى أهلها على وجهها . إذ هو { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } خارجون من أجداث أجسامهم ، راجعنن إلى الله جميعاً بأرواحهم ، محشورون عنده معرضون عليه ؛ بحيث { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } المحيط بهم { مِنْهُمْ شَيْءٌ } من أعيانهم وأعمالهم ونياتهم ، وبعدما برزوا لله ورجعوا نحوه صائرين إليه ، فانين فيه ، قيل لهم من قِبل الحق بعد فناء الكل إظهاراً لكمال قدرته وجلاله : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } أي : ملك الوجود والتحقق والثبوت ، فأجيب أيضاً من قِبله ؛ إذ لا موجود سواه ، ولا شيء غيره : { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ } من كل الوجوه { ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] لنقوش استوى سبحانه على الملك المطلق بالإطاعة والاستحقاق على ما كان ويكون في ازل الآزال وأبد الآباد ، أشار إلى سرائر ما ظهر منه في النشأة الأولى فقال : { ٱلْيَوْمَ } أي : يوم الجزاء والنشأة الأخرى { تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ } أي : طبق ما كسبت واقترفت في النشأة الأولى ، التي هي نشأة التكلف والاختبار بلا ازدياد وتنقيص عليه ؛ إذ { لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } أي : يوم الجزاء ؛ لأنه إنما وضع لظهور العدالة الإلهية والقسط الحقيقي ، بل تجزى فيه كل من النفوس بجميع ما صدرت عنها ، خيراً وشراً نفعاً وضراً { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على عموم ما ظهر وبطن من عباده { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ غافر : 17 ] عليهم بلا فترة وتلبيس ؛ إذ لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يطرأ عليه سهو ونيسان . { وَأَنذِرْهُمْ } يا أكمل الرسل ؛ أي : عموم المكلفين { يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } والمشارفة على العذاب الأبدي ، حين أحضروا على شفير جهنم للطرح فيها { إِذِ ٱلْقُلُوبُ } أي : قلوب أولئك المحضرين ترتفع حينئذ { لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ } وتلتصق بحلاقيمهم من كمال هولهم واضطرابهم ، وكانوا حينئذ { كَاظِمِينَ } ومملوئين من الغم والحزن وأنواع الكآبة والخذلان ، وبالجملة : { مَا لِلظَّالِمِينَ } أي : لهؤلاء المسرفين المقصورين على الخيبة والخسران حينئذ { مِنْ حَمِيمٍ } قريب يدركهم ، ويولي أمرهم ، ويسعى في استخلاصهم { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] أي : شفيع يشفع ويقبل الشفاعة منه لأجلهم . مع أنه سبحانه { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } أي : خيانتهم التي يتغامزن بعيونهم نحو محارم الله { وَ } يعلم أيضاً { مَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] أي : ما تخفي صدورهم من الميل إلى الشهوات المحرمة بلا مباشرة الآلات . { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع بظواهرهم وضمائرهم { يَقْضِي } ويحكم بهم ، ويجازي عليهم بمقتضى علمه وخبرته منهم { بِٱلْحَقِّ } بلا حيف وميل إظهاراً لكمال عدالته { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } سبحانه من الأوثان والأصنام { لاَ يَقْضُونَ } ولا يحكمون لا لهم ولا عليهم { بِشَيْءٍ } من نفع وضر ؛ إذ هم جمادات لا شعور لها { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على أنواع الإنعام والانتقام { هُوَ ٱلسَّمِيعُ } لجميع ما صدر من ألسنة استعداداته { ٱلْبَصِيرُ } [ غافر : 20 ] بما ظهر على هياكل هوياتهم .