Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 13-16)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما ظهر من دلائل توحيد الحق ما ظهر ، ولاح من آثار قدرته الكاملة ما لاح { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } أي : الكفرة الجهلة المستكبرون عنك يا أكمل الرسل ، وعن جميع ما جئت لهم من الآيات البينات لدلائل توحيد الذات ، وكمال الأسماء والصفات الإلهية { فَقُلْ } لهم على وجه التحذير والتنبيه : { أَنذَرْتُكُمْ } أيها التائدون في تيه الغفلة والضلال ، أتى بالماضي لتحقق وقوعه { صَاعِقَةً } أي : بلية عظيمة نازلة عليكم من شدة قساوتكم ، وإعراضكم عن الحق وأهله كأنها صاعقة في الحول والشدة { مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [ فصلت : 13 ] . وقت { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ } المبعوثون إليهم ؛ لتكميلهم وإرشادهم ، والمبلغون لهم الوحي الإلهي { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي : في حضورهم وغيبتهم بواسة وبغير واسطة ، المنبهون عليهم ، القائلون لهم : عليكم أيها المجبولون على فطرة التوحيد { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } ولا تتوجهوا بالعبودية الخالصة { إِلاَّ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد ، الحقيق بالإطاعة والانقياد ؛ إذ لا معبود لكم سواه ، ولا مقصد إلا هو . وبعدما سمعوا من رسلهم ما سمعوا { قَالُواْ } متهكمين مستهزئين : { لَوْ شَآءَ رَبُّنَا } الذي ادعيتم ربوبيته وألوهيته بالانفراد والاستقلال { لأَنزَلَ } بمقتضى قدرته الكاملة التي ادعيتم له { مَلاَئِكَةً } يخرجوننا من أودية الجهالات وبادية الضلال والغفلات ، وبالجملة : { فَإِنَّا } بأجمعنا { بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } أي : بجميع ما جئتم به وادعيتم الرسالة فيه { كَافِرُونَ } فصلت : 14 ] منكرون جاحدون ، إن أنتم إلا بشر مثلنا بلا مزية لكم علينا ، ومن أين يتأتى لكم هذا ؟ ! . ثم فصل سبحانه ما أجمل بقوله : { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ } على عباد الله { فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل الاختبار الإلهي { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي : بلا انقياد وإطاعة إلى دين ونبي يرشدهم إلى طريق الحق { وَ } من كمال تعنتهم وبطرهم { قَالُواْ } على وجه الشرف والمباهاة : { مَنْ أَشَدُّ } على وجه الأرض { مِنَّا قُوَّةً } وأكثر عَدداً وعُدداً ، وأتم بسطة واستيلاء ؟ ! . وقالوا هذا حين تخويفهم الرسل بإلمام العذاب عليهم ، وهم كانوا أعظم الناس جسما وأوفرهم قوة وقدرة ، لذلك اغتروا بما عندهم من القوة والثروة ، فكذبوا الرسل وقالوا لهم : نحن ندفع العذاب الذي ادعيتم نزوله أيها الكاذبون بوفور حولنا وقوتنا { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني : أيغترون على قوتهم وجسامتهم وينكرون كمال قدرة الله وشدة انتقامه ، ولم يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ } القدير العزيز { ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ } وإظهرهم من كتم العدم ، ولم يكونوا شيئاً مذكوراً { هُوَ } سبحانه بذات وكمال أسمائه وصفاته { أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } وأكمل حولاً وقدرة ، وأحكم بطشاً وانتقاماً { وَ } هم وإن جزموا حقية رسلنا المبعوثين إليهم ، وآياتنا المنزلة عليهم في ظواهرهم وبواطنهم ، لكن { كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [ فصلت : 15 ] وينكرون بحسب الظاهر عناداً ومكابرة ، اغتراراً بما معهم من الثروة والجسامة . وبعدما تمادوا على غيبهم ، وأصروا على عتوهم وضلالهم { فَأَرْسَلْنَا } بمقتضى قهرنا وجلالنا { عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } باردة شديدة البرد ، عقيمة عن المطر ، تعميهم بنقعها ، وتصميهم بصريرها { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } لا سعود فيها ؛ يعني : إنما بدلنا مسعودات ايامهم بالمنحوسات { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ } أي : المذلة والهوان اللازم على العذاب حيث كان ونزول { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } التي هم مغرورون فيها ، مسرورون بلذاتها وشهواتها { وَ } الله { لَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } المعدة للانتقام والجزاء { أَخْزَىٰ } أي : أشد خزياً ، وأتم تذليلاً وتصغيراً بأضعاف عذاب الدنيا وآلافها { وَ } بالجملة : { هُمْ لاَ يُنصَرُونَ } [ فصلت : 16 ] ولا يشفعون فيها بدفع العذاب عنهم لحظة ، بل يخلدون في العذاب ما شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .