Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 11-13)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكيف لا أتوكل عليه ولا أنيب ؛ إذ هو بذاته حسب شئونه وتطوراته { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ومظهرها من كتم العدم ، ومدبر ما يتكمون بينهما من الطبائع والهيولي وصور المواليد ، ومن جملة تدبيراته سبحاه : إنه { جَعَلَ } وخلق { لَكُم } أيها المجبولون على فطرة التوحيد وإبقاء لتناسلكم وتوالدكم { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } ومن بني نوعكم { أَزْوَاجاً } أيضاً من جنسكم وصنفكم إبقاء لكم وإدامة لبقائكم { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ } أيضاً { أَزْواجاً } تربية لكم وتتميماً لمعاشكم . وبالجملة : { يَذْرَؤُكُمْ } يبثكم ويكثركم { فِيهِ } أي : في عالم الظهور ونشأة الشهادة بهذا التدبير البديع ، لتعلموا أو تعرفوا أنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ } أي : ليس مثله سبحانه { شَيْءٌ } يناسبه في الوجود ويماثله في التحقق والثبوت ، والمراد يقيناً بالمثل المنفي هو ذاته ؛ أي : لا يماثله ذاته ، فكيف غيره من قولهم : مثلك لا يبخل ؛ بمعنى : أنت لا تبخل ، والمراد : نفي التعدد عنه سبحانه مطلقاً على سبيل المبالغة والتأكيد ، فثبت حينئذ ألا موجود سواه ، ولا تحقق لغيره { وَ } متى ثبت هذا ظهر أنه { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] أي : هو بذاته المنحصر على صفة السمع والبصر ، وجميع الأوصاف الذاتية الكاملة الشاملة آثارها عالمي الغيب والشهادة . إذ { لَهُ } لا لغيره من الوسائل والأسباب العادية الظاهرة في أظلال المظاهر والمجالي { مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : مفاتيح خزائن العلويات من الأسماء والصفات ، والسفليات من مظاهر الطبائع ، والمرايا العدمية القابلة لانعكاس شمس الذات من مشكاة الأسماء والصفات ، هو بذاته { يَبْسُطُ } ويقبض { ٱلرِّزْقَ } الصوري والمعنوي { لِمَن يَشَآءُ } من أضلاله وعكوسه { وَيَقْدِرُ } ويقبض عمن يشاء منهم ، وبالجملة : { إِنَّهُ } سبحانه بذاته حسب أسمائه وصفاته { بِكُلِّ شَيْءٍ } دخل تحت ظل وجوده بمقتضى فضله وجوده { عَلِيمٌ } [ الشورى : 12 ] بعلمه الحضوري ، لا يعزب عن حضوره شيء مما ظهر وبطن ، وغاب وشهد . ومن كمال استقلاله في تدابير مكله وملكوته وحيطة علمه وشمول قدرته : { شَرَعَ } أي : قضى ووضع { لَكُم } أيها الأظلال المنهمكون في بحر الحيرة والظلال { مِّنَ ٱلدِّينِ } القيوم والطريق المستقيم الموصل إلى توحيده { مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } أي : ديناً شرعه سبحانه ووضعه على نوح ؛ إذ هو أول من ظهر على نشأة التدين والتشريع في طريق التوحيد ، وهو الدين الموصل إلى توحيد الأفعال { وَ } الدين { ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل من كمال جودنا هو الدين الموصل إلى توحيد الذات ، لذلك ختم ببعثتك أمر الرسالة والتشريع ، وبعدما عين سبحانه مبدأ التوحيد ومنتهاه ، أشار إلى ما بينهما من المراتب ، فقال : { وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } أي : والأديان التي وضعناها على هؤلاء المشاهير ، وغيرهم من جماهير الأنبياء والرسل المتشرعة وغير المتشرعة هو الموصل إلى توحيد الصفات . وبالجملة : وصينا لعموم ذوي الأديان { أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ } المنزل إليهم ، واستقيموا في الإطاعة والامتثال به { وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } أي : لا تختلفوا في أصل الدين الذي هو التوحيد الإلهي ، وإن كانت الطرق والأديان والمناهج نحوه مختلفة باختلاف ذوي المراتب المترتبة اختلافاتهم إلى شئون الحق وتجلياته ، فلك يا أكمل الرسل أن تدعو الناس إلى توحيد الحق ، وإن كان { كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ } أي : شقَّ وعظم عليهم { مَا تَدْعُوهُمْ } أي : دعوتك إياهم { إِلَيْهِ } أي : إلى التوحيد الذاتي ؛ إذ لم يعهد هذا من غيرك من الأنبياء والرسل الماضين ، لذلك شق عليهم حسداً وغيظاً ، فكيف يحسدون ويغيظون لك ولشأنك ؛ إذ { ٱللَّهُ } العليم الحكيم المطلع على استعدادات العباد وقابلياتهم { يَجْتَبِيۤ } أي : يختار ويجذب { إِلَيْهِ } أي : إلى توحيده الذاتي { مَن يَشَآءُ } من المجبولين على فطرة التوحيد ، { وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ } ويوفق عليه ويرشد نحوه { مَن يُنِيبُ } [ الشورى : 13 ] إليه سبحانه إنابة صادرة عن محض الإخلاص والتبتل والتفويض والتوكل .