Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 20-22)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لما أشار سبحانه إلى كمال تنزعه وتقدس ذاته عن وصمة النقصان مطلقاً ، وإلى كمال ترحمه وتلطفه مع خُلَّص عباده ، قال : { مَن كَانَ } منهم { يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ } أي : يزرع في النشأة الأولى بذور الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة ؛ ليحصد ما يترتب عليها من المثوبات والكرامات في النشأة الأخرى { نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } ونضاعف ثوابها لأجله ، ونعطه من اللذات الروحانية ما لا مزيد عليه تفضلاً منَّا وتكريماً { وَمَن كَانَ } منهم { يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا } ونوى نماء بذوره فيها { نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ } ولذاتها الباقية { مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] لاختياره لذات الدنيا وشهواتها الفانية على ما في الآخرة من اللذات الروحانية ؛ لذلك ما له حظ في الآخر ونصيب من لذاتها . أهم بأنفسهم يحرمون نفوسهم من اللذات الأخروية والفتوحات الروحانية { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ } من شياطين الجن والإنس ظاهرهم عليه ؛ حيث { شَرَعُواْ } وزينوا { لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ } الباطل والديدنة الزائغة { مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } الحكيم المتقن في أفعاله المدبر لعموم مصالح عباده على مقتضى حكمته ، ولم يأمر بوضعه واتخاذه لا بالوحي ولا بطريق الإلهام ، بل إنما أخذوا ما أخذوا من تلقاء أنفسهم ، وعلى مقتضى أهويتهم الباطلة ؛ لذلك لم يتم لهم إلا الخيبة والخذلان والحسرة والحرمان . { وَ } بالجملة : { لَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } والقضاء صاردة من الله بتأخير أخذهم لظلمهم وإمهال انتقالهم إلى يوم الجزاء { لَقُضِيَ } وحكم اليوم { بَيْنَهُمْ } أي : بين أهل الهداية والضلال ، فيلحق لكل منهم جزاء ما اقترفوا من الحسنات والسيئات { وَ } بالجملة : { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية ، ومتابعة آرائهم وإخوانهم من الشياطين { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الشورى : 21 ] في النشأة الأخرى ، وهو حرمانهم عما أعد لنوع الإنسان المصور على صورة الرحمن من الكرامات السنية والمقامات العلية ، لا عذاب أشد منه وأفزع . ومن كمال حرمانهم وخسرانهم : إنهم حنيئذ { تَرَى } أيها الرائي { ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضى الحدود عدواناً وظلماً { مُشْفِقِينَ } خائفين مرعوبين { مِمَّا كَسَبُواْ } أي : من لحوق وبال ما اكتسبوا من الآثام والمعاصي { وَ } الحال أنه { هُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } لاحق لهم ، وما ينفعهم الإشفاق وعدمه ؛ لانقضاء نشأة التدارك والتلافي . ثم قال سبحانه على مقتضى سنته السنية المستمرة : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : وترى أيضاً أيها الرائي المؤمنين الذين آمنوا بوحدة الحق حين أخبرهم الرسل ودعاهم إليه حسب استعداداتهم الفطرية وقابليتهم الجبلية { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : وأكدوا إيمانهم وتوحيدهم بصالحات أعمالهم وأخلاقهم ؛ ليدل على توحيد الأفعال والصفات أيضاً ، هم في النشأة الأخرة لكمال إطاعتهم وانقيادهم متنعمون { فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ } أي : منتزهات اليقين العلمي والحقي والعيني ، ومع ذلك حاصل حاضر { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ } من اللذات المتجددة والفيوضات المترادفة من الفتوحات وأنواع الكرامات { عِندَ رَبِّهِمْ } الذي أوصلهم إلى كنف قربه وجواره { ذَلِكَ } الذي أعد لأرباب العناية والتوحيد { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [ الشورى : 22 ] والفوز العظيم الذي يستحقر دونه عموم اللذات والكرامات .