Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 45, Ayat: 21-24)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه : { أَمْ حَسِبَ } الغافلون الضالون المسرفون { ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ } واكتسبوا طول عمرهم { ٱلسَّيِّئَاتِ } المبعدة لهم عن طريق الحق وسبيل الهداية { أَن نَّجْعَلَهُمْ } ونصيرهم بعدما رجعوا إلينا { كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة لهم إلى الحق وتوحيده ، أي : مثلهم بلا مزية لهم عليهم ، بل ظنوا أنهم وهم { سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ } السياق يدل على أن التفسير على قراءة بن عامر ونافع وغيرهما : { سَوَآءً } يعني : حياة المشركين ومماتهم عندنا كحياة الموحدين المخلصين ومماتهم ؟ كلا وحاشا { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] أي : حكمهم هذا ، وما حكموا به لأنفسهم أولئك الجاحدون الجاهلون . { وَ } كيف يحكم الحكيم المتقن في عموم أحكامه وأفعاله بمساواة المطيع والعاصي ، مع أنه { خَلَقَ ٱللَّهُ } المستوى بالعدل القويم على عروش عموم المظاهر { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ملتبسة بالحق ، أي : بالعدالة الصورية المنبئة عن العدالة المعنوية الحقيقية ، وإنما خلقها كذلك { بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } من خير وشر ، بعدما أمر الحق بما أمر ، ونهى عن ما منهى { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ الجاثية : 22 ] في أجور أعمالهم وجزائهم زيادة ونقصاناً . { أَفَرَأَيْتَ } أيها المعتبر الرائي إلى { مَنِ ٱتَّخَذَ } أي : إلى الجاحد الجاهل المعاند الذي اتخذ { إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } أي : ما يهواه ، وكيف أطاع من يتمناه وعبد إلى ما يحبه ويرضاه ولم يفوض أمره إلى مولاه { وَ } ما ذلك إلا أن { أَضَلَّهُ ٱللَّهُ } العليم الحكيم باسمه المذل المضل مع أنه أظهره سبحانه { عَلَىٰ } صورة ذي { عِلْمٍ } وجبله على فطرة أولى المعرفة والتوحيد { وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ } لئلا يسمع كلامه الحق من أهله { وَخَتَمَ } أيضاً { وَقَلْبِهِ } لئلا يتفكر في آيات الله ودلائل توحيده { وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً } غليظة وغطاء كثيفاً ، لئلا يعتبر من عجائب مصنوعاته سبحانه وغرائب مخترعاته ، مع انه خلقه سبحانه كذلك { فَمَن يَهْدِيهِ } ويرشده أي : ينقذه من الضلال { مِن بَعْدِ } إضلال { ٱللَّهِ } إياه وإذلاله { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ الجاثية : 23 ] وتتفطنون من تبدل أحواله أيها العقلاء المجبولون على فطرة العبرة والعظة من غاية غوايتهم وضلالهم ، عن مقتضى كمال قدرة الله ، وعدم تنبههم وتفطنهم بوحدة ذاته ، وكمال أسمائه وصفاته ، واستقلاله في تدبيراته وتصرفاته . { وَقَالُواْ } منكرين الحشر والنشر : { مَا هِيَ } أي : ما الحال والحياة { إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا } فيها لا منزل لنا سواها ، ولا سكن لنا غيرها { وَ } بالجملة : { مَا يُهْلِكُنَآ } ويميتنا فيها { إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } أي : مر الزمان وكر الأعوام ، لا فاعل سواه ، ولا متصرف إلا هو { وَ } الحال أنه { مَا لَهُمْ بِذَلِكَ } الذي صدر عنهم { مِنْ عِلْمٍ } عقلي أو نقلي أو كشفي بل أن { إِنْ هُمْ } أي : ما هم باعتقادهم هذا { إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ الجاثية : 24 ] ظنَّا على وجه التقليد والتخمين بلا سند لهم يستندون إليه ، سوى الأُلف بالمسحوسات والتقليد بالرسوم والعادات .