Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 10-15)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه بلسان الجمع على سبيل الإرشاد والتكميل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يا أكمل الرسل ، و يختارون متابعتك ، ويستهدون من هدايتك وإرشادك { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } الذي استخلفك عليهم وجعلك نائباً عن ذاته فيما بينهم ، فعليهم ألاَّ ينقضوا العهد والبيعة التي عهدوا معك ، بل وكيف يسع لهم النقض مع أن { يَدُ ٱللَّهِ } وقبضة قدرته الغالبة { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ } ونقض البيعة والعهد مع رسوله { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي : ما يعود وبال نقضه إلا عليه { وَمَنْ أَوْفَىٰ } وحفظ { بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } وهو معاهدتهم مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافته صلى الله عليه وسلم عنه سبحانه { فَسَيُؤْتِيهِ } للوفاء { أَجْراً عَظِيماً } [ الفتح : 10 ] هو الفوز بشرف اللقاء والتحقيق لدى المولى . { سَيَقُولُ لَكَ } يا أكمل الرسل على سبيل الاعتذار { ٱلْمُخَلَّفُونَ } أي : المنافقون الناقضون للعهود ، المتخلفون عن الجهاد { مِنَ ٱلأَعْرَابِ } المجبولين على الكفر والنفاق : { شَغَلَتْنَآ } عن متابعتك ومشايعتك { أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } أي : ليس لنا متعهد سوانا ؛ لذلك حرمنا عن صبحتك وعن أجر الجهاد { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } يا رسول الله عند الله حتى يغفر ما صدر عننا من التخلف ، لا تبال يا أكمل الرسل بهم وباعتذارهم واستغفارهم هذا ، فإنه من شدة شكميتهم وغيظهم وضعف عقيدتهم { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } تغريراً وتلبيساً { قُلْ } لهم على سبيل التفضيح والتبكيت : { فَمَن يَمْلِكُ } أي : يدفع ويمنع { لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } القادر المقتدر { شَيْئاً } من غضب الله إن { أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ } شيئاً من لطقه ورحمته إن { أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } وبالجملة : لا راد لفضله ، ولا معقب لحكه { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } [ الفتح : 11 ] يجازيكم على مقتضى خبرته . { بَلْ ظَنَنْتُمْ } أيها المتخلفون المثقلون { أَن لَّن يَنقَلِبَ } ويرجع { ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } بل يستأصلهم العدو ، فلن يرجع منهم أحد من سفرهم هذا ، بل { وَزُيِّنَ } أي : حُبب وحُسِّن { ذَلِكَ } الاستئصال وعدم الرجوع ، وتمكن { فِي قُلُوبِكُمْ وَ } قد { ظَنَنتُمْ } بزعمكم هذا { ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } بالله ورسوله والمؤمنين { وَ } بالجملة : { كُنتُمْ } أزلاً { قَوْماً بُوراً } [ الفتح : 12 ] هالكين في تيه الجهل والعناد . { وَ } بالجملة : { مَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } اي : لم يجمع بين الإيمان بالله وتصديق الرسول المستخلف منه سبحانه { فَإِنَّآ } بمقتضى قهرنا وجلالنا { أَعْتَدْنَا } وهيأنا { لِلْكَافِرِينَ } المصرين على الكفر والتكذيب { سَعِيراً } [ الفتح : 13 ] ناراً مسعرة ملتهبة تحيط بهم ؛ جزاء ما أوقدوا في نفوسهم نار الفتن والطغيان لأولياء الله . { وَ } كيف لا ينتقم عنهم سبحانه مع أنه { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } وله التصرف فيهما بالاستقلال والاختيار { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } فضلاً وإنعاماً { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } عدلاً وانتقاماً { وَكَانَ ٱللَّهُ } المتصف بكمال اللطف والمرحمة { غَفُوراً } لمن تاب وآمن وعمل صالحاً { رَّحِيماً } [ الفتح : 14 ] يقبل توبة التائبين ، ويعفو عن زلاتهم . ثم لما سمع المخلفون من الأعراب يوم الحديبية أن الله قد وعد المؤمنين فتح خيبر ، وخص لهم الغنائم ، قصدوا الخروج نحوها طامعين الغنائم ؛ لذلك أخبر الله سبحانه حبيبه بقصدهم هذا ، فقال : { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } المذكورات وقت { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ } الموعودة لكم خاصة { لِتَأْخُذُوهَا } بفضل الله إياكم : { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } بغزوتكم هذه وننصركم ، مع أنهم لا يقصدون الرفاقة والوفاق في نفوسهم ونياتهم ، بل { يُرِيدُونَ } ويقصدون بقولهم هذا أن { يُبَدِّلُواْ } ويغيروا { كَلاَمَ ٱللَّهِ } الدال على تخصيص غنائم خيبر لمن حضر الحديبية بدل غنائم مكة . { قُل } لهم يا أكمل الرسل على وجه التأييد في النفي : { لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ } أي : مثلما سمعتم { قَالَ ٱللَّهُ } المطلع على ما في نفوسهم من النفاق والشقاق { مِن قَبْلُ } أي : قبل تهيئاتكم أيها المؤمنون للخروج إلى خيبر { فَسَيَقُولُونَ } بعدما سمعوا النهى على وجه التأييد في نفوسهم : ما أمرهم الله هذا { بَلْ تَحْسُدُونَنَا } على أخذ الغنيمة ؛ أي : ما حملهم على هذا النهي المؤكد المؤبد إلا الحسد والشح { بَلْ } هم قوم جاهلون { كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ } ولا يفهمون مراد الله العليم الحكيم عن منعهم هذا { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الفتح : 15 ] منهم ، وهم المصدقون بالله ورسوله في سرائرهم ونجواهم .