Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 16-23)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُل } يا أكمل الرسل { لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } بعدما أيسوا من الخروج إلى خيبر : { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ } غزوة { قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } وشوكة عظيمة { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } أي : مآل أمرهم إمَّا القتل وعزته ، وإمَّا الإسلام لا غير { فَإِن تُطِيعُواْ } حنيئذٍ ، ولم تتخلفوا كما تخلفتم يوم الحديبية { يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ } المطلع بنياتكم { أَجْراً حَسَناً } في الدنيا والآخرة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } وتنصرفوا { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } يوم الحديبية { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الفتح : 16 ] لتضاعف جرمكم ، وشدة شقاقكم ونفاقكم . ثم أخذ سبحانه في تعداد ما يرخص لهم التخلف والقعود على سبيل الاضطرار فقال : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } أي : ليس لهؤلاء وزر مؤاخذة إن تخلفوا عن القتال بأمثال هذه الأعذار إن كانوا من أهل الطاعة والإيمان { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } على وجه الإخلاص والوفاق بلا بطانة ونفاق { يُدْخِلْهُ } سبحانه بمقتضى فضله وسعة رحمته وجوده { جَنَّٰتٍ } منتزهات الكشوف والشهود { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } من المعارف والحقائق المتجددة بتجددات التجليات الإلهية ، المنتشئة من النفسات الرحمانية { وَمَن يَتَوَلَّ } أي : يعرض وينصرف عن مقتضى العدالة الإلهية بمتابعة الآراء الفاسدة والأهوية الباطلة { يُعَذِّبْهُ } بمقتضى قهره { عَذَاباً أَلِيماً } [ الفتح : 17 ] في نيران الإمكان ، لا عذاب أشد إيلاماً منه . ثم قال سبحانه على وجه التحريض والترغيب للمؤمنين : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المخلصين في الإطاعة والانقياد { إِذْ يُبَايِعُونَكَ } يا أكمل الرسل { تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } يوم الحديبية بيعة الرضوان ، والشجرة هي : السمرة أو السدرة { فَعَلِمَ } سبحانه بعلمه الحضوري { مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الرغبة والإخلاص { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } أي : الطمأنينة والوقار { عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ } بعدما أيسوا عن فتح مكة ، ورجعوا من الحديبية { فَتْحاً قَرِيباً } [ الفتح : 18 ] هو فتح خيبر بعد رجوعهم منها . { وَ } رزق لهم خاصة { مَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } من خيبر بعد غنائم مكة { وَ } بالجملة : { كَان ٱللَّهُ } المراقب لأحوال عباده { عَزِيزاً } غالباً على عموم مقدوراته { حَكِيماً } [ الفتح : 19 ] مراعياً مقتضى الحكمة البالغة . إنه { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ } أيها المؤمنون المخلصون في إطاعة الله ورسوله { مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } من أيدي الكفرة إلى قيام الساعة ؛ إذ يظهر دينكم على الأديان كلها { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } غنائم خيبر { وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } أي : أهل خيبر وأوليائهم ، وكفى مؤنة عموم من قصد السوء على أموالكم وذراريكم { وَ } إنما فعل بكم سبحانه ذلك { لِتَكُونَ } هذه الكفة والغنيمة { آيَةً } علامة وأمارة { لِّلْمُؤْمِنِينَ } الذين يأتون بعدكم ، ويقتفون أثركم بأن المؤمن المخلص في جوار الله وكنف حفظه وحضانته { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [ الفتح : 20 ] هو لثقة بالله وبكرامته ونصره لأوليائه . { وَ } كذا عجل لكم عناية من الله إياكم مغانم { أُخْرَىٰ } مع أنكم { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } لشوكة الأعداء وكثرة عددهم وعددهم ، بل فررتم أنتم منهم مراراً { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } وأباحها عليكم بالنصر والغلبة عليهم مع أنكم خائفون وجلون منهم ، وهي مغانم هوازن وفارس { وَ } بالجملة : { كَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة علمه وإرادته { قَدِيراً } [ الفتح : 21 ] لا يعجز عنه ولا يفتر دونه ؛ إذ القدرة من جملة الأوصاف الغالبة الذاتية الإلهية ، التي لا تفتر به ولا تضعف بحال . { وَ } من كمال قدرته ونصره لأوليائه : إنه { لَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } بعدما فررتم منهم وجبنتم عنهم { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ } عنكم بنصر الله إياكم { ثُمَّ } بعدما ولوا { لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً } يولى أمرهم { وَلاَ نَصِيراً } [ الفتح : 22 ] ينصرهم وينقذهم من أيديكم . ولا تستبعد يا أكمل الرسل من قدرة الله أمثال هذا ؛ لكونها { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ } أي : مضت واستمرت { مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ } التي جرت منه سبحانه بمقتضى حكمته { تَبْدِيلاً } [ الفتح : 23 ] ولا لحكمة الصادر عنه بالإرادة والاختيار تغييراً وتحويلاً .