Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 20-21)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱعْلَمُوۤاْ } أيها المكلفون المعتبرون { أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } أي : ما الحياة المستعارة الدنيوية ، وما حاصلها وجلّ متاعها إلاَّ { لَعِبٌ } مزخرف باطل في نفسها ، يلعب بها أهل الغفلة والحجاب ، ويتعبون بها أنفسهم بلا طائل { وَلَهْوٌ } يلهيهم عما يهمهم ويعينهم من الحياة الأزلية الأبدية ولوازمها { وَزِينَةٌ } زيَّنها لهم شياطين قواهم وأمانيهم من المطاعم الشهية ، والملابس البهية ، واللذات الوهمية ، والشهوات البهيمية { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } بالمال والجاه والثروة ، والسيادة بالأنساب والأحساب { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ } بالمظاهرة والمعاونة ، وتكثير العدد والعدَدد والعُدد ، والعقارات والتجارات ، والمواشي والزراعات إلى غير ذلك من المزخرفات الفانية التي لا قراره لها ولا مدار ، بل مَثَلُها { كَمَثَلِ غَيْثٍ } نزل وأنبت إنباتاً { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ } أي : الزرَّاع { نَبَاتُهُ } من كثرته ونضارته وكثفاته { ثُمَّ يَهِيجُ } يجف وييبس بآفة وعاهة { فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً } بعدما كان مخضراً في كمال البهجة والنضارة { ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً } هشيماً تذروه الرياح حيث شاءت بلا فائدة ولا عائدة . { وَ } مع هذه الخسارة الحرمان في النشأة الأولى لأهل الغفلة والخذلان يكون لهم { فِي ٱلآخِرَةِ } المعدة للجزاء { عَذَابٌ شَدِيدٌ } لاشتغالهم بالدنيا وما فيها { وَ } بالجملة : { مَغْفِرَةٌ } سترٌ ومحوٌ لذنوب أصحاب المعاملات ، ناشئة { مِّنَ ٱللَّهِ } الغفور الرحيم بمقتضى لطفه ، وسعة رحمته وجوده { وَرِضْوَٰنٌ } منه سبحانه لأرباب القلوب والمكاشفات خير من الدنيا وما فيها بأضعافها وآلافها عند من تحقق تربية الإنسان ، وسعة قلبه المصور على صور عرش الرحمن { وَ } بالجملة : { مَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ } عند الأحرار البالغين بدرجة الاعتبار والاستبصار { إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ } [ الحديد : 20 ] ومخائل الخديعة والزور ، ومن اغتر بها ولعب بما فيها فقد استحق الويل والثبور ، وحرم عليه الحضور والسرور . ومتى سمعتم أيها المؤمنون المعتبرون حال الدنيا ومآلها ، وحال العقبى وما يترتب عليها { سَابِقُوۤاْ } سارعوا ، وبادروا بوفور الرغبة والرضا { إِلَىٰ } تحصيل أسباب { مَغْفِرَةٍ } مرجوة { مِّن رَّبِّكُمْ } الذي ربَّاكم على فطرة الهداية والتوحيد { وَ } وسائل دخول { جَنَّةٍ } وسيعه فسيحة { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } بحسب متفاهم العرف ، وإلاَّ فلا يكاد سعة الجنة وعرش الرحمن قلب الإنسان الكامل ، كما يشهد به قلب العارف المحقق ، المتحقق بمقام القلب الذي هو وعاء الحق ، المنزه عن مطلق المقادير والتقادير { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } على وجه الإخلاص ، وأكدوا إيمانهم وإخلاصهم بالرضا والتسليم بعموم ما جرى عليهم من القضاء ، وفوضوا أمورهم كلها إلى المولى حتى صار علمهم منتهياً إلى العين ، وعينهم إلى الحق . { ذَلِكَ } التحقق والانتهاء { فَضْلُ ٱللَّهِ } بلا سبق شيء يوجبه ويجبله ، وعبودية يستحقه ، بل { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } عنايةً منه سبحانه ، وإحساناً ناشئاً عن محض الإرادة والاختيار ، وكيف { وَٱللَّهُ } الغني في ذاته ، المستغني مطلقاً عن عبادة مظاهره وأظلاله { ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الحديد : 21 ] والكرم العميم ، يمن على من يشاء من عباده بمقتضى سعة رحمته وجوده حسب علمه المحيط باستعداداتكم وقابلياتهم .