Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 22-25)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذ { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } أي : ما حدث من حادثة مفرحة أو موحشة ، كائنة { فِي ٱلأَرْضِ } أي : في أقطار الآفاق من الخصب والرخاء ، والزلزلة والوباء إلى غير ذلك من المفرحات والموحشات الحادثة في الأنحاء والأرجاء { وَلاَ } كائنة { فِيۤ أَنفُسِكُمْ } من العوارض المسرة ، والشهوات الملذة ، أو من الأمراض والملمات المؤلمة { إِلاَّ } ثبت حدوثها في ساعة كذا ، في آن كذا ، على وجه كذا { فِي كِتَٰبٍ } أي : في حضرة العلم الإلهي ولوح قضائه على اختلاف العبارات { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } نخلقها ونظهرها ؛ أي : ثبت حدوث الحادثة في وقتها في كتابنا قبل أن تخلق الحادثة بزمان لا يعلم أحد مقداره إلاَّ نحن ، ولا تستبعدوا من قدرتنا أمثال هذا { إِنَّ ذَٰلِكَ } الثبت والتقدير السابق ، وإن كان عندكم عسير { عَلَى ٱللَّهِ } القادر المقتدر ، الغالب على عموم المقدورات { يَسِيرٌ } [ الحديد : 22 ] سهل في جانب قدرته وإرادته . والسر في ثبتها قبل خلقها : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } ولا تحزنوا أيها المجبولون على فطرة الكفران { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من اللذات والشهوات المرغوبة { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } منها ؛ ليكون فرحكم سبباً لكبركم وخيلائكم على ضعفاء الأنام ، وفقراء الإسلام { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع على ما في استعدادات عباده من النخوة والاستكبار { لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } ذو كبر وخيلاء منهم { فَخُورٍ } [ الحديد : 23 ] مخافر مباهٍ ؛ بسبب المال والجاه والثروة ، والسيادة على أقرانه وأبناء زمانه . وإذا كان الأمر كذلك فلا تسندوا الأمور إلى أنفسكم ، بل فوضوا أموركم كلها إلى الله ، وأسندوها إليه سبحانه بالأصالة ، فلا تفرحوا ولا تحزنوا ، بل افنوا في الله وابقوا ؛ لتتمكنوا { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] . والمختالو المفتخرون هم { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } ويمسكون أنفسهم عن التصدق والإنفاق ، ويجمعون من حطام الدنيا مقدار ما يفتخرون بها ، ويتفوقون على أقرانهم بسببها { وَ } من غاية بخلهم وإمساكهم : { يَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ } أيضاً { بِٱلْبُخْلِ } لئلا يلحق العار عليهم خاصة ؛ وليعرضوا ويصرفوا ضعفاء الأنام عن امتثال أمر الله بالإنفاق ؛ حتى لا ينالوا بالمثوبة العظمى ، والكرامة الكبرى في النشأة الأخرى من عنده سبحانه { وَ } بالجملة : { مَن يَتَوَلَّ } ويعرض عنه الله ، ولم يشكر لنعمه ، ولم يواظب على أداء حقوق كرمه فلا يضره سبحانه ، ولا ينقص من علو شأنه وسمو برهانه { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } بذاته عن إطاعة عباده ، وإنفاقهم وشكرهم وكفرانهم { ٱلْحَمِيدُ } [ الحديد : 24 ] حسب أسمائه وصفاته الذاتية بلا افتقار له إلى محامد مظاهره ومصنوعاته . ثمَّ قال سبحانه على سبيل الامتنان لعموم عباده ، وإرشاداً لهم إلى سبل السلامة والسلام ، وحثاً لهم إلى الطاعات والعبادات : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا } من مقام عظيم جودنا { رُسُلَنَا } المبعوثين إلى هداية العباد وإرشادهم إلى سبيل الرشاد ، وأيدناهم { بِٱلْبَيِّنَاتِ } المعجزات والواضحات { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } المشتمل على الآيات الدالة على وحدة ذاتنا ، وكمالات أسمائنا وصفاتنا { وَ } أنزلنا معهم { ٱلْمِيزَانَ } الموضوع ؛ للقسط والعدالة ، كل ذلك { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ } المجبولون على الغفلة والنسيان { بِٱلْقِسْطِ } والعدل فيصيرون مستقيمين على صراط الله الأعدل الأقوم الذي هو الشرع القويم ، والدين المستقيم المنزَّل على الرسول المبعوث بالخلق العظيم { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } لزجر المنحرف العنيد ؛ إذ { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } للمائلين عن جادة الشريعة ، والمتمردين عن الدين القويم . { وَ } إن كان أيضاً فيه { مَنَافِعُ } كثيرة { لِلنَّاسِ } لتوقف عموم الجرف والصنائع عليه { وَ } إنما أرسل سبحانه من أرسل ، وأنزل معه ما أنزل { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } أي : يظهر ويميز من عباده { مَن يَنصُرُهُ } سبحانه { وَ } ينصر { رُسُلَهُ } المرسلين من لدنه ؛ أي : من ينصر دينه المنزل على كل واحد من رسله المعبوثين من عنده ؛ لإظهاره وترويجه { بِٱلْغَيْبِ } أي : قبل قيام الساعة وانكشاف السرائر ؛ وما ذلك الإرسال والإنزال منه سبحانه إلاَّ لابتلاء العباد واختبارهم ، وإلاَّ فهو منزه في ذاته عن إعانتهم ونصرهم { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على أنواع الإنعام والانتقام { قَوِيٌّ } على إهلاك من أراد إهلاكه { عَزِيزٌ } [ الحديد : 25 ] غالب غلى عموم مقدوراته بلا مظاهرة ومعاونة . وإنما أمر سبحانه عباده بالجهاد ؛ لينالوا بامتثاله أعظم المثوبات .