Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 5-9)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذ { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إيجاداً وخلقاً أولاً ، وإعداماً ثانياً ، وإعادة ثالثاً { وَ } بعد الإعادة { إِلَى ٱللَّهِ } لا إلى غيره من الوسائل والأسباب العادية { تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } [ الحديد : 5 ] أي : رجوع مطلق الأمور إليه سبحانه في المعاد والمآل ، كما أن ظهوره منه في المبدأ والمنشأ ؛ إذ منه الابتداء وإليه الانتهاء . ومن تصرفاته المتقنة في ملكه على وفق حكمته أنه { يُولِجُ } ويدخل { ٱلْلَّيْلَ } أي : بعض أجزائه { فِي ٱلنَّهَارِ } في فصل الربيع والصيف { وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ } أي : بعض أجزائه { فِي ٱلْلَّيْلِ } في فصل الخريف والشتاء ؛ مصلحةً لمعاش عموم الحيوانات ، ومحافظةً لها من كلا طرفي الإفراط والتفريط { وَ } بالجملة : { هُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ الحديد : 6 ] أي : بمكنونات ضمائركم ، ومقتضيات استعداداتكم . وبعدما علم واطلع سبحانه منكم ومن استعداداتكم وقابلياتكم { مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } [ النور : 15 ] ، { آمِنُواْ } أي : أنقادوا وأطيعوا { بِٱللَّهِ } المطلع على عموم مصالحكم { وَرَسُولِهِ } النائب عنه ، المبعوث من لدنه ؛ لإرشادكم وتكميلكم { وَأَنفِقُواْ } بمقتضى الأمر الإلهي المنبئ عن محض الحكمة والمصلحة { مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } أي : من أموالكم التي استخلفكم الله عليها ؛ إذ هي كلها لله حقيقة ، لا لكم كما زعمتم . فعليكم أن تمتثلوا بأوامر الله سبحانه بالإنفاق والإيثار الذي يزكي أنفسكم من الميل إلى مزخرفات الدنيا ، العائقة عن الوصول إلى جنة المأوى التي هي مقام التسليم والرضا { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } وأكدوا إيمانهم بالإخلاص في عموم الأعمال والأفعال والأخلاق { وَأَنفَقُواْ } بلا شوب المنّ والأذى ، وشين السمعة والرياء { لَهُمْ } سبب إيمانهم وإنفاقهم على وجه الإخلاص { أَجْرٌ كَبِيرٌ } [ الحديد : 7 ] لا أجر أكبر منه وأعلى . ثمَّ قال على طريق الحث والإلزام المشعر بالوعيد : { وَمَا لَكُمْ } أي : أيّ شيء عرض لكم ، وطرأ عليكم { لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المستحق للإطاعة والإيمان { وَ } لا سيما { ٱلرَّسُولُ } المبلغ الكامل في الهداية والتكميل { يَدْعُوكُمْ } بمقتضى الوحي الإلهي المنزل من عنده { لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ } مع تأييده بالمعجزات الساطعة ، والحجج القاطعة الدالة على صدقه في دعوته للإيمان ، ورسالته إلى كافة الأنام { وَ } الحال أنه { قَدْ أَخَذَ } الله العليم العلام باستعداداتكم { مِيثَاقَكُمْ } وعهدكم بالإيمان والعرفان في مبدأ فطرتكم ، ومنشأ جبلتكم ، مع أنه جبلكم حين قدر خلقكم ، وأنشأ فطرتكم على جبلة التوحيد والإيمان ، فماذا يمنعكم عنه { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ الحديد : 8 ] بسبب وموجب ، فهذا موجب لا مزيد عليه ؟ ! إذ { هُوَ } سبحانه الحكيم العليم { ٱلَّذِي يُنَزِّلُ } من مقام فضله وجوده { عَلَىٰ عَبْدِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم { آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } مبينات واضحات { لِّيُخْرِجَكُمْ } الله ورسوله { مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ } المتراكمة المتكاثفة من لوازم الطبيعة ، ولواحق الحصول { إِلَى ٱلنُّورِ } أي : نور الوجود البحت ، الخالص عن مطلق القيود { وَ } اعلموا أيها المكلفون { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ } بإرادة إخراجكم من ظلمات الجهل إلى نور اليقين { لَرَءُوفٌ } مشفق عطوف { رَّحِيمٌ } [ الحديد : 9 ] متناهٍ في الرحمة .