Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 15-20)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ } أي : مثلهم كمثل اليهود الذين مضوا { مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً } بزمانهم { ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } في الدنيا من أنواع الهوان والخسار { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الحشر : 15 ] في الآخرة التي هي دار البوار . بل مثلهم { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ } أي : مثل المنافقين في إغراء اليهود على قتال المؤمنين كمثل الشيطان وقت { إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ } أي : كل فرد وفرد من أفراد الكفرة : { ٱكْفُرْ } حتى أعينك على عموم مقاصدك ومرامك { فَلَمَّا كَفَرَ } الإنسان - العياذ بالله - بتغريره { قَالَ } له الشيطان بعدما كفر : { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ } لا أعينك على شيء ؛ لأنك كفرت بالله ، وصرت عدواً لله { إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } القادر القاهر الغيور أن ينتقم عني بسبب معاوتنك ومظاهرتك ؛ لكونه { رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الحشر : 16 ] فلا يجري التصرف في ملكه بلا إذن منه سبحانه . وبعدما كفر الإنسان بتغرير الشيطان وتلبيسه { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ } أي : عاقبة الشيطان والإنسان الذي كفر بتغريره { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } تابعاً ومتبوعاً ، لا زماناً دون زمان ، بل واقعا { خَالِدِينَ فِيهَا } مستمرين أبداً { وَذَلِكَ } الخلود في النار { جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [ الحشر : 17 ] الخارجين عن ربقة الرقية الإلهية ، وعروة عبوديته بتلبيس الشيطان وتغريره . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم : التقوى عن محارم الله ، والاجتناب عن منهياته { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } واحذروا عن بطشه وانتقامه { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ } أي : كل واحد من النفوس المجبولة على نظرة الدارية والشعور على وجه العبرة والاستبصار { مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } وما ادخرت ليوم القيامة ، وتزودت للنشأة الأخرى بعدما كلفت بأنواع التكاليف ، وأُمرت لإعداد زاد المعاد على وجه المبالغة ، وكمال الإرشاد { وَ } بالجملة : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور ، واحذروا عن مخالفة أمره { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على ما في ضمائر عباده { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ الحشر : 18 ] من خير وشر ، ونفع وضر ، يجازيكم على مقتضى خبرته . { وَ } بالجملة : { لاَ تَكُونُواْ } أيها المؤمنون { كَٱلَّذِينَ } أي : كالغافلين الذين { نَسُواْ ٱللَّهَ } أي : ذكره المستلزم للإيمان ، المستلزم للمحبة والعرفان { فَأَنسَاهُمْ } سبحانه { أَنفُسَهُمْ } أي : معرفتها المستلزمة لمعرفة الحق ، وبالجملة : { أُولَـٰئِكَ } البعداء عن ساحة عز الحضور { هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ الحشر : 19 ] المقصورون على الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية ولوازم العبودية ، الجاهلون بقدر الألوهية مطلقاً . واعلموا أيها المكلفون أنه { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } منكم وملازموها ، وهم الذين اقترفوا طول عمرهم من سيئات الأعمال ، وذمائم الأخلاق والأوصاف ما يستحقون دخول النار { وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } وهم الذين اتصفوا بمحاسن الأعمال والأحوال ، ومحامد الأخلاق والأطوار المنتجة لهم أنواع المعارف والحقائق ، والمكاشفات المشاهدات الفائضة عليهم حسب استنشاقهم من نسائهم عالم اللاهوت ، واسترواحهم من فواتح حضرة الرحموت ، وبالجملة : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } [ الحشر : 20 ] المفلحون المقصورون في الدرجات العليَّة ، والمقامات السنيَّة مما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .