Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 8-10)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ بيَّن سبحانه مصارف الفيء بعد إخراج سهم الله ورسوله ، وقدم منهم فقراء المهاجرين اهتماماً بشأنهم فقال : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } أي : أخرجهم المشركون ، ونهبوا أموالهم ، وسبوا أولادهم ، والحال أنهم في مصائبهم هذه { يَبْتَغُونَ } ويطلبون { فَضْلاً } تفضلاً وإحساناً { مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } منه سبحانه ؛ لكمال تمكنهم ورسوخهم في مقام الرضا والتسليم { وَ } مع ذلك { يَنصُرُونَ ٱللَّهَ } يترويج دينه ، وإعلاء كلمة توحيده { وَرَسُولَهُ } بالمعاونة والمظاهرة ، وبذل المال والنفس في تقويته ونصره { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون ، الباذلون مهجهم في طريق الحق ، وتقوية دينه القويم وصراطه المستقيم ، ونصرة رسوله الكريم { هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } [ الحشر : 8 ] المقصورون على الصدق والإخلاص ظاهراً وباطناً . { وَ } بعد أولئك الفقراء الأنصار ، وهم { ٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ } أي : توطنوا وتمكنوا في المدينة ، ورسخوا على الإيمان والإسلام بالعزيمة الصادقة الخالصة { مِن قَبْلِهِمْ } أي : قبل هجرة المهاجرين إليها ، ومع رسوخهم وتمكنهم في الإيمان { يُحِبُّونَ } محبة خالصة { مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } من المؤمنين { وَ } من كمال محبتهم وإخلاصهم بأخوانهم المهاجرين : { لاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ } ووجدانهم { حَاجَةً } باعثة لهم إلى أن يحسدوا { مِّمَّآ أُوتُواْ } وأعُطوا ؛ أي : المهاجرين من سهام الفيء ، وسائر الغنائم والصدقات ؛ وذلك من غاية محبتهم ومودتهم بالنسبة إليهم ، بل { وَيُؤْثِرُونَ } أي : يختارون ويقدمون المهاجرين { عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } حتى إن من كان له امرأتان نزل عن واحدة وزوَّجها على أحدهم . وبالجملة : يؤثرونهم ويختارونهم ؛ أي : المهاجرين على أنفسهم في آخر ما آثروا لنفوسهم { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } أي : حاجة شديدة بليغة ، ومحبة بالنسبة إلى ذلك الشيء ، وما هو إلا من فرط محبتهم وإخلاصهم بالنسبة إلى إخوانهم المهاجرين { وَ } بالجملة : { مَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } ويخالفها حتى يمنعها عن مقتضاها طلباً لمرضاة الله ، ورعايةً لجانب أخيه المسلم { فَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء المحافظون على آداب الأخوة والمروَّة { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ الحشر : 9 ] المقصورون على الفوز العظيم من عنده سبحانه عاجلاً وآجلاً ، في العاجل بالذكر الجميل ، وي الآجل بالجزاء الجزيل . { وَ } بعد فقراء الأنصار للفقراء التابعين ، وهم { ٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } مهاجرين من بقعة الإمكان نحو فضاء الوجوب ، مقتفين أثر أولئك الكرام ، مريدين لهم بإحسان ، مذكرين لهم بغفران ، حيث { يَقُولُونَ } في مناجاتهم مع ربهم في خلواتهم ، وأعقاب صلواتهم : { رَبَّنَا } يا من ربَّانا على فطرة الإسلام { ٱغْفِرْ لَنَا } ذنوبنا التي صدرت عنَّا { وَلإِخْوَانِنَا } في الدين ، وهم { ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ } وسلوك طريق العرفان { وَ } بالجملة : { لاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا } يا مولانا { غِلاًّ } حقداً وحسداً { لِّلَّذِينَ آمَنُواْ } مطلقاً ، لا للسابقين ولا للاحقين { رَبَّنَآ } يا من ربَّانا على الإخلاص والتوفيق تقبل منَّا مناجاتنا ، واقض لنا حاجاتنا { إِنَّكَ رَءُوفٌ } عطوف على عموم عبادك ، سيما المخلصين منهم { رَّحِيمٌ } [ الحشر : 10 ] تقبل توبتهم ، وتغفر زلتهم إن استغفروا نحوك نادمين عما صدر عنهم .