Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 8-15)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومن شدة غضبها وسخطها { تَكَادُ } وتقرب { تَمَيَّزُ } وتفترق أجزاؤها { مِنَ الغَيْظِ } المفرط { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ } أي : جماعة وفرقة من المتفقين المجتمعين على ديدنة قبيحة ، وخصلة خارجة عن مقتضى الحدود الإلهية { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ } سؤال توبيخ وتقريع : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } [ الملك : 8 ] يخفوكم من هذا العذاب الهائل ، مع أن سنة الله جرت على ألاَّ يدخل عباده فيها إلاَّ بعد الإنذار والتخويف . { قَالُواْ } حينئذٍ متسحرين : { بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ } فأنذرنا عنها على أبلغ الوجوه { فَكَذَّبْنَا } النذير ، وأفرطنا في تكذيبه إلى حيث نفينا الإنزال والإرسال مطلقاً ، بل كفرنا بالحق وبحميع ما جاء به النبي النذير من عنده ، ونسبنا دعواه إلى السفه والضلال { وَ } بالجملة : { قُلْنَا } له حين دعوته وادعائه نزول الكتاب : { مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ } أي : ما أنتم أيها المدَّعون للرسالة { إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ } [ الملك : 9 ] عظيم لا ضلال أعظم من ضلالكم . { وَ } بعدما حكوا أولئك الضالون ما حكوا { قَالُواْ } من غاية أسفهم وحسرتهم على سبيل التمني : { أَوْ نَعْقِلُ } كلام الرسل المؤيَّدين بالمعجزات الظاهر { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ } نتأمل ونتفكر في حججهم الساطعة ، ودلائلهم القاطعة { مَا كُنَّا } الآن { فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] أي : في عدادهم ومن جملتهم . وبالجملة : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } وندموا ، وما ينفعهم الاعتراف والندم ؛ لمضي وقته ، بل { فَسُحْقاً } طرداً وتبعيداً عن ساحة عز القبول ، وعن سعة رحمة الحق ، وكنف لطفه ومغفرته { لأَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 11 ] أي : لمطلق من دخل بشؤم كفره وإنكاره فيها . ثمَّ أردف سبحانه حال الكفرة بحال المؤمنين تنشيطاً للسامع ، وحثاً له على التثبت في الإيمان فقال : { إِنَّ } المؤمنين { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ } ويخافون { رَبَّهُم } أي : عذابه { بِٱلْغَيْبِ } أي : حال كونهم في النشأة الأولى غائبين عنه ، غير معاينين له { لَهُم } عند ربهم { مَّغْفِرَةٌ } ستر ومحو لذنوبهم الصادرة عنهم بمقتضى بشريتهم جزاء إيمانهم بالله ، وخشيتهم عن عذابه { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ الملك : 12 ] يصغر دونه الدنيا وما فيها تفضلاً عليهم وامتناناً ، ألا وهو رضاء الله منهم { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] من الآخرة وما فيها ، فكيف عن الدنيا ؟ ! ثمَّ لمَّا قال بعض المشركين لبعضهم على سبيل التهكم : أسرُّوا قلوكم ؛ كي لا يسمعه ربّ محمد ، نزل : { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ } أيها المشركون { أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ } وهما سيان بالنسبة إلى علمه المحيط ، وكيف لا { إِنَّهُ } سبحانه { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ الملك : 13 ] أي : بما في الضمائر قبل أن يعتبر به أو يقصد بتعبيره ، بل هو عليم بما في استعداداتكم وقابلياتكم المكنونة في عالم الأسماء والصفات قبل ظهوركم في عالم الأشباح ؟ ! { أَلاَ يَعْلَمُ } العليم الحكيم { مَنْ خَلَقَ } وقدّر بمقتضى علمه المحيط ، وقدرته الشاملة ، وإرادته الكاملة { وَ } كيف لا { هُوَ ٱللَّطِيفُ } الواصل آثار علمه إلى خفيات الأشياء وأسرارها { ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] المحيط خبرته لظواهر المظاهر وبواطنها . وبالجملة : { هُوَ } سبحانه القادر المقتدر { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ } أيها المكلفون بمقتضى سعة رحمته وجوده { ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } لينة سهلة ، قابلة للسلوك عليها { فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا } جبالها أو جوانبها حيث شئتم { وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } رغداً واسعاً متى أردتم ، واشكروا المنعم المفضل ، ولا تكفروا به وبنعمه { وَ } اعلموا أنه { إِلَيْهِ } لا إلى غيره من الوسائل والأسباب { ٱلنُّشُورُ } [ الملك : 15 ] أي : نشور الكل ورجوعه ؛ إذ لا مرجع لكم سواه ، ولا معاد إلاَّ إليه ، فيسألكم عمَّا أنعم عليكم ويحاسبكم عليه .