Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 28-42)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما حُرموا منها { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } أعدلهم رأياً وعقلاً على سبيل التقريع والتشنيع لإخوانه : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } وقت مشورتكم على تحريم الفقراء ، واتفاقكم على منعهم : { لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } [ القلم : 28 ] أي : هلاَّ تذكرون الله بالخير ، ولم لا تشكرون نعمه بالإنفاق على الفقراء ؛ حتى يزيد عليكم نعمه ، وقد قال هكذا حين عزموا أولاً على المنع ، وشاوروا فيه . وبعدما وقعوا في الشدة والبلاء اعترفوا بالظلم ، حيث { قَالُواْ } عن كمال الندامة والإنابة : { سُبْحَانَ رَبِّنَآ } ننزهك من أن ينازعك في ملكك وسلطانك ، أو يخالف حكمك أو شأنك { إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ القلم : 29 ] خارجين عن أمرك بالإنفاق ، معرضين أنفسنا على عذابك وانتقامك . تب علينا بفضلك وكرمك { إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 129 ] . وبعد وقوع الواقعة { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } [ القلم : 30 ] يعني : يلوم بعضهم بعضاً ، فإنهم منهم من أنكر ، ومنهم من استصوب ، ومنهم من أشار ، ومنهم من سكت . بالجملة : { قَالُواْ } أي : الكل متحسرين : { يٰوَيْلَنَا } وهلكتنا أدركينا { إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } [ القلم : 31 ] مجاوزين حدود الله ، مستحقين للويل والثبور . وبعدما أنابوا إلى الله ، وتضرعوا نحوه على محض الندم والإخلاص قالوا على سبيل الطمع والرجاء : { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ } ببركة التوبة والرجوع بالإخلاص والاعتراف بالخطا ، والاستغفار بالندم ، والانكسار التام ، وقد رُوي أنهم أُبدلوا خيراً منها { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } [ القلم : 32 ] راجون منه العفو ، طالبون الخير والمغفرة . { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } لمن خرج عن مقتضى الحدود الإليهة في الدنيا { وَ } الله { لَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } المعدة لأصحاب الغفلة عن الله { أَكْبَرُ } وأعظم بأضعافها وآلافها { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ القلم : 33 ] ويعتقدون وقوعها لاحترزوا عمَّا يؤولهم إلى عذابها ، ويوقعهم في وبالها ونكالها . { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ } المتحفظين نفوسهم عن غضب الله ، المتحرزين عن الخروج عن مقتضى الحدود الإلهية { عِنْدَ رَبِّهِمْ } الذي وفقهم إلى صيانة النفس عن المعاصي والمنكرات حين وصولهم إلى كنف حفظه ، وجوار قدسه { جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ القلم : 34 ] أي : روضة الرضا ، وجنة التسليم ، لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً ، والله عنده أجر عظيم لمن وصل إليه وتحقق دونه . ثمَّ لمَّا كان الكفرة يقولون : إن صح أنَّا نُبعث كما يزعم محمد وأصحابه لم يفضلونها هناك أيضاً ، بل نحن هناك أيضاً أحسن حالاً منهم كما في الدنيا ، رد الله عليهم زعمهم هذا بقوله : { أَفَنَجْعَلُ } يعني : أيزعم الكفرة المفسدون المفرطون أنَّا نجعل { ٱلْمُسْلِمِينَ } المتصفين بالإيمان والأعمال الصالحة ، المنزهين عن مطلق العصيان ولوازمه { كَٱلْمُجْرِمِينَ } [ القلم : 35 ] الموصوفين بأنواع الجرائم والآثام الخارجة عن مقتضى الأحكام الإلهية الجارية على مقتضى الحكمة والعدالة . { مَا لَكُمْ } أي : ما عرض عليكم ، ولحق بكم أيها العقلاء حتى أخرجكم عن مقتضى العقل الفطري { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ القلم : 36 ] وتدعون مساواة المسيء مع المحسن ، فيكف يفضله عند العليم الحكيم ، المتقن في عموم الأفعال على مقتضى القسط والعدالة ؟ ! أتحكمون هذا بمقتضى رأيكم الفاسد أيها الضالون ؟ ! { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ } نازل عليكم من السماء { فِيهِ } أي : في الكتاب { تَدْرُسُونَ } [ القلم : 37 ] وتقرؤون هكذا ؟ ! { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ } أي : في الكتاب { لَمَا تَخَيَّرُونَ } [ القلم : 38 ] أي : ما تختارون لأنفسكم وتشتهونه من خير ما تجدون فيه . { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ } عهود ومواثيق مؤكدة لازمة { عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } مشتملة متضمنة لهذا { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } [ القلم : 39 ] به علينا من أن الخير والكرامة لكم عند الله أكثر مما لنا ؟ ! { سَلْهُمْ } يا أكمل الرسل ، وفتش عنهم على سبيل التبكيت والإلزام : { أَيُّهُم } { بِذَلِكَ } الحكم { زَعِيمٌ } [ القلم : 40 ] قائم يستدل عليه ويصححه ، أهو ؛ أي : الزعيم المستدل واحد منهم ؟ ! { أَمْ لَهُمْ } في هذا الدعوى { شُرَكَآءُ } متشاركون في هذا القول والحكم ، وهم يقلدونهم ؟ ! فإن ادَّعوا شركاء قل لهم نيابةً عنَّا : { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ } حتى يثبتوا الدعوة ويصححوها { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [ القلم : 41 ] في هذه الدعوة . وبعدما بهتوا اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ يُكْشَفُ } الأمور الخطوب { عَن سَاقٍ } أي : عن أصلها وحقيقتها ، وتبلى السرائر برمتها ، وارتفعت حجب الأغيار وسدل الاعتبار بأسرها ، وبالجملة : لم يبق إلا الله الواحد القهار { وَيُدْعَوْنَ } حينئذٍ هؤلاء الأظلال الهالكون في تيه الحيرة والضلال { إِلَى ٱلسُّجُودِ } والتذلل على وجه الانكسار لدى الملك الجبار { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [ القلم : 42 ] حينئذٍ ؛ لمضيّ نشأة الاختيار ، وأوان الاختبار .