Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-145)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } اذكروا { لَمَّا } أي : حين { جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا } المبعوث إليكم لإصلاح حالكم ليناجي معنا { وَ } من غاية اللطف والجود { كَلَّمَهُ رَبُّهُ } أي : كلم معه مرتبته التي حصل له وانكشف بها من الله ؛ إذ لكل أحد بل لكل ذرة من ذرائر المظاهر مرتبة خاصة وظن مخصوص بالنسبة إلى الله ؛ لذلك قال سبحانه : " أنا عند ظن عبدي بي " . وأعلى المراتب وأسناها مرتبة النبوة والرسالة على تفاوت طبقاتها ، ثم الأمثل فالأمثل ، كما انبسط موسى وانكشف من ربه بما اكشف ، حيث سمع كلامه من جميع الجوانب بلا واسطة ووسيلة من مَلَك وغيرها ، بلا تلفظ وتقطيع حروف ، اضطرب ووله ومن غاية ولهه وسكره تسارعه إلى انكشاف أجلى منه { قَالَ } بعد سماع كلامه سبحانه : { رَبِّ أَرِنِيۤ } يا ربي ، فإنك تنزهت عن المقابلة والمحاذاة والمماثلة والمحاكاة ، كما أسمعتني كلامك المنزه عن الحروف والأصوات وتقطيع الكلمات { أَنظُرْ إِلَيْكَ } ببصري كما سمعت كلامك بسمعي . { قَالَ } سبحانه : { لَن تَرَانِي } يا موسى ما دمت في جلباب تعينك وغشاوة هويتك { وَلَـٰكِنِ } إن أردت أن تعرف استعدادك لرؤيتي { انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } حي تجليت عليه بهويتي المسقطة لهوياتها مطلقاً { فَإِنِ اسْتَقَرَّ } وثبت عندك { مَكَانَهُ } بعدما أتجلى عليه بذاتي ، وإن بقي على هويته التي هويته هو فيها قبل التجلي { فَسَوْفَ تَرَانِي } أي : فيمكنك أن تراني لهويتك { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } مدكوكاً مفتتاً متلاشياً كأن لم يكن أصلاً حيث اضمحلت جميع تعيناته الباطلة { وَ } بعدما رأى الكليم ما رأى { خَرَّ } أي : سقط { موسَىٰ } بعدما نظر نحوه فلم يره { صَعِقاً } جائزا هائماً قلقاً مغشياً ، كأنه انفصل عن لوازم هويته { فَلَمَّآ أَفَاقَ } موسى عن ولهه وسكره وانكشف من ربه بما انكشف أنه لا يرى الله إلا الله { قَالَ } مستحيياً منيباً خائفاً مستنزهاً : { سُبْحَانَكَ } أن يحيط بك أحد من مصنوعاتك { تُبْتُ } ورجعت { إِلَيْكَ } يا ربي بما اجترأت من سؤل ما ليس في وسعي وطاقتي { وَ } بعدما عرفتك الآن عرفاناً أكمل وانكشفت منك يا ربي ما لم انكشف لو من قبل { أَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِين } [ الأعراف : 143 ] الموقنين بعظمتك وجلالك ؛ إذ لا اعتداد لإيماني من قبل . ثم لما استحى موسى من الله وندم عن سؤله بلا استئذان منه سبحانه ، تغمم ونحزن من اجترائه بما ليس في وسعه ، أزال الله سبحانه ما عرض عليه من الندم والخجل حيث { قَالَ } سبحانه منادياً : { يٰمُوسَىٰ } المستخلَف من عندي { إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ } اخترتك { عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي } أي : بتحميل أحكامي وأمرامري وتذكيري حتى توصلها إلى عبادي نيابة عني { وَ } خصصتك من بين الرسل { بِكَلاَمِي } أي : سماعة بلا كيف ولا حرف ، وبلا واسطة مَلَك وسفير { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } تفضلاً عليك بقدر وسعك واستعدادك ، ولا تبادر إلى سؤل ما لا طاقة لك { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [ الأعراف : 144 ] لنعمه ، واصرفها على الوجه الذي أمرناك به من المصارف ووفقناك عليه ولا تكن من الكفارين لنعمنا ، المنصرفين عن أوامرنا وأحكامنا ؛ لتفوز منا بالرضا الذي هو أحسن أحوال أرباب الكشف والشهود . { وَكَتَبْنَا } من جملة اصطفائنا وإنعامنا إياه إنا كتبنا { لَهُ } أي : أثبتنا لأجل تربيته وإرشاده { فِي ٱلأَلْوَاحِ } أي : ألواح التوراة { مِن كُلِّ شَيْءٍ } يتعلق بتهذيب الظهر والباطن { مَّوْعِظَةً } تذكره وتبياناً يتعظ بها هو ومن تبعة { وَتَفْصِيلاً } توضيحاً وتبييناً متعلقاً { لِّكُلِّ شَيْءٍ } أي : لكل حكم من الأحكام المتعلقة بأمور معاشهم { فَخُذْهَا } أي : فقلنا له : خذها أيها الداعي للخلق إلى الحق { بِقُوَّةٍ } عزيمة صادقة وجزم خالص { وَأْمُرْ قَوْمَكَ } أيضاً { يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } يعني : بعزائمها دون رخصها حتى تستعد نفوسهم لأن يفيض عليها من المعارف والحقائق والمكاشفات والمشاهدات التي هي عبارة ع الجنة المأوى والمرتبة العليا عند العارف ، ولا تميلوا عنها وعن أحكامها حتى لا يلحقوا بزمرة الفساق المنحطين عن مرتبة الإنسانية { سَأُوْرِيكُمْ } في النشأة الأخرى أيها المائلون عن مقتضى الأحكام الإلهية التي هي صراط الله الأقوم { دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ الأعراف : 145 ] التي هي جهنم الحرمان وجحيم الخذلان .