Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 23-27)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالاَ } متضرعين متذللين معترفين على زلتهما : { رَبَّنَا } يا من ربانا على الكرامة لمقتضى فضلك وجودك { ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } بمتابعة عدوا { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا } لم تتجاوز عنا { وَ } لم { تَرْحَمْنَا } بفضلك { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] خسراناً عظيماً . ثم لما صدر منما ما صدر بوسوسة عدوهما ، أمر سبحانه بإخراجهما عن دار السرور إلى دار الابتلاء والغرور ؛ حيث { قَالَ ٱهْبِطُواْ } انزلوا وانحطوا أيها المتجاوزون عن حدودنا أصلاً وفرعاً ، تابعاً ومتبوعاً عن مقر العز ومرتبة الإطلاق والتجريد الخالي عن جميع الإضافات ، والتقييد إلى محل الكون والفساد ، ومنزل البغي والعناد ؛ إذ { بَعْضُكُمْ } في دار الدنيا التي هي نشأة الاختبار والابتلاء { لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } أبداً لا يرتفع الخصومة عنكم أصلاً { وَلَكُمْ } أيها المتخاصمون { فِي ٱلأَرْضِ } أي : مرتع الطبيعة { مُسْتَقَرٌّ } موضع قرار { وَمَتَاعٌ } تمتع من لذاتها وشهواتها { إِلَىٰ حِينٍ } [ الأعراف : 24 ] أي : على انقضاء آجالكم وانقطاع مآلكم . ثم لما تحيروا واضطربوا في أمرهما وفساد حالهما { قَالَ } سبحانه منبهاً عليهما : { فِيهَا } أي : في أرض الطبيعة { تَحْيَوْنَ } بالحياة الطبيعية { وَ } أيضاً { فِيهَا تَمُوتُونَ } بالموت الطبيعي { وَمِنْهَا } أيضاً { تُخْرَجُونَ } [ الأعراف : 25 ] لجزاء ما كسبتم من الخير والشر ، والتقرب والخير ، والتبعد في حياتكم الطبيعية التي هي دار الابتلاء ومزرعة الأجر والجزاء ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر . ثم قال سبحانه منادياً لكم في مقام الامتنان وتعديد النعم والإحسان ؛ لتواظبوا شكر نعمه ، وتداوموا على انقياده وإطاعته بعدما صدر عنكم الكفر والخروج عن مقتضى أمره ونهيه : { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ } المجبولين على فطرة الخلافة والنيابة { قَدْ أَنزَلْنَا } من مقام جودنا { عَلَيْكُمْ لِبَاساً } عقلاً مدبراً { يُوَارِي } ويستر بتدبيره { سَوْءَاتِكُمْ } مقتضيات بشريتكم وبهيميتكم { وَ } أيضاً وهبنا لكم من غاية لطفنا { رِيشاً } معارف وحقائق نزينكم ونميزكم بها عن جميع المخلوقات ، ونستخلفكم بسببها من بين سائر البريات { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } عن محارم الله ، والاجتناب عن منهياته خير لكم وحقيق لفطرتكم ، فعليكم أن تلبسوها وتتحفظوا بها عما لا يليق بمرتبتكم وفطرتكم { ذٰلِكَ } أي : التقوى { خَيْرٌ } لكم إن أردتم أن تصلوا إلى مرتبة التوحيد التي جبلتم لأجلها { ذٰلِكَ } أي : المذكور { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على استقلاله في ألوهيته وربوبيته ، إنما أنزلها عليهم { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } [ الأعراف : 26 ] رجاء أن يتذكروا نعمه فيعرفوا المنعم وينكشفوا بتوحيده . ثم ناداهم وأوصاهم ثانياً بقوله : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ } مقتضى خلافتكم ونيابتكم أن { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } أي : لا يوقعنكم في الغي والضلال بغتة ووسوسة { كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ } بالفتنة والغرور { مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } هي دال السرور ، وأهبطهما بوسوسته إلى الأرض التي هي محل الفساد ومنشأ الشرور حين { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } أي : تسبب للنزع حين تغريرهما وإغرائهما إلى تناول المنهي { لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ } انتقاماً منهما . فعليكم أيها الأبناء أن تجتنبوا عن غوائله وتعوذوا إلى الله عن جميع مخايله ، وتتخذوه وقاية ووكيلاً حتى تتخلصوا عن وسوسة شياطين الأهواء المضلة ، وعليكم ألا تغفلوا عنه ؛ إذ { إِنَّهُ } دائماً { يَرَاكُمْ } ويراقبكم { هُوَ } إذ الشيطان نفسه { وَقَبِيلُهُ } جنوده الأمارة بالسوء رؤية صادرة عن محض العداوة { مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } إذ هم متركزون في نفوسكم التي بين جنبيكم ، يضلكم ويغويكم على صورة الهداية والإرشاد ، فعليكم أن تخالفوا أهواء نفوسكم وتجانبوا مناها ومشتهياتها ، ومع ذلك تضرعوا نحونان وتعوذوا بنا { إِنَّا جَعَلْنَا } مقتضى حكتمنا المتقنة { ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ } مسلطين { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 27 ] بتوحيدنا واستقلال استيلائنا .