Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 14-19)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اذكر لهم يا أكمل الرسل ، وإن لم يصدقوا { يَوْمَ تَرْجُفُ } تضطرب وتتزلزل { ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ } من شدة الحركة والاضطراب اندكت وتناثرت فصارت { كَثِيباً } رملاً مجتمعاً { مَّهِيلاً } [ المزمل : 14 ] منثوراً ، تذروه الرياح حيث شاء ، كسائر الرمال الآن في البراري والبوادي . وكيف لا نأخذ المجرمين المشركين بظلمهم يومئذٍ ، ولا نعذبهم بأنواع العذاب { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ } يا أهل مكة بعدما انحرفتهم عن جادة العدالة على مقتضى سنتنا في الأمم السالفة { رَسُولاً } ناشئاً منكم ؛ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم { شَاهِداً } يشهد { عَلَيْكُمْ } يوم القيامة بالإجابة والامتناع بعدما أمرنا له ، وأوحينا إليه أن يدعوكم إلى الإيمان ، ويأمركم بالطاعات والإحسان { كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } الطاغي الباغي { رَسُولاً } [ المزمل : 15 ] يعني : موسى الكليم عليه السلام ؛ ليدعوه إلى الإيمان ، وبأمره بلوازمه . وبعدما دعاه وأمره بما أمر به الحق { فَعَصَىٰ } وتكبر { فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } وعتا عليه ، واستكبر عن دعوته { فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } [ المزمل : 16 ] ثقيلاً شديداً إلى حيث أغرقناه وجنوده في اليم ، وأورثنا أرضه ودياره وأمواله لبني إسرائيل . هذا أخذُنا إياهم في النشأة الأولى ، وفي الأخرى بأضعافها وآلافها ، فأنتم أيضاً يا أهل مكمة مثل فرعون عصيتم رسلوكم الذي أُرسل إليكم ؛ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، فنأخذكم مثلما أخذنا فرعون ، في الدنيا نجعلكم صاغرين مهانين ، وفي الآخرة مسجونين بعذاب أليم ، مخلدين في النار أبد الآبدين . ثمَّ قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع تهويلاً عليهم ، وتعريضاً : { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ } وتحفظون أنفسكم أيها المنهمكون في أنواع الغفلات والجهالات { إِن كَفَرْتُمْ } وبقيتم على الكفر ، ومتم عليه ، مع أنكم ستسقبلون وتقعون يوماًن وأيّ يوم { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [ المزمل : 17 ] من غاية طوله ، وشدة أهواله وأحزانه ؟ ! هذا على وجه التمثيل والتشبيه بحسب متفاهم العرف ، وإلاَّ فلا يكتنه هول ذلك اليوم وشدته بالوصف والبيان . ومن جملة ما يدل على شدة هوله : إنه { ٱلسَّمَآءُ } المشيدة المحكمة { مُنفَطِرٌ بِهِ } أي : متشققة متضعضعة ، منخرمة في ذلك اليوم بمقتضى قهر الله وجلاله ، وكيف لا يكون كذلك بعدما وعد الله القادر المقتدر على عموم ما دخل في حيطة علمه وإرادته بوقوعه ، ولا شك أنه { كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } [ المزمل : 18 ] دائماً ، وأمره مقضياً أبداً ، وحكمه مبرماً أزلاً ، وقضاؤه نافذاً سرمداً ؟ ! { إِنَّ هَـٰذِهِ } الكلمات الدالة على إنجاز وعد الله { تَذْكِرَةٌ } وعظة للمتعظين المتذكرين من أرباب العناية والتوفيق { فَمَن شَآءَ } أني يتعظ بها { ٱتَّخَذَ } وأخذ { إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ المزمل : 19 ] بعدما وفقه الحق ، وأعان عليه بالخروج عن لوازم الإمكان ، وهداه للعروج إلى معارج الوجود مترقياً من درجة إلى درجة ، ومقام إلى مقام إلى أن وصل إلى مبدأ طريق الفناء ، ثمَّ ترقى منه أيضاً من حاله إلى حالة إلى أن فني عن الفناء أيضاً ، وبعد ذلك ذار ما صار ، وليس وراء الله مرمى ومنتهى .