Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 16-25)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ لمَّا استعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبادر بالتقاط الوحي من فيّ جبريل عليه السلام ، إلى حيث سبق عليه بالتلفظ خوفاً من أن ينفلت منه شيء ، نهى سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم عن ذلك تأديباً وإرشاداً فقال : { لاَ تُحَرِّكْ } يا أكمل الرسل { بِهِ } أي : بالقرآن { لِسَانَكَ } حين التقاطك من حامل الوحي ؛ يعني : جبريل عليه السلام ، قبل أن يتم وحيُّه وإلقاؤه لك { لِتَعْجَلَ بِهِ } [ القيامة : 16 ] أي : لتأخذه على عجلة خوفاً من إفلاته عنك . لا تخف { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } في خاطرك وضميرك { وَ } أيضاً علينا بعد جمعنا { قُرْآنَهُ } [ القيامة : 17 ] وقراءته على لسانك على وجهه بلا فوت شيء منه ، لا تتعب نفسك بالعجلة ، ولا تستعجل بالالتفاظ قبل الالتمام . وبعدما سمعت ما سمعت يا أكمل الرسل فأجر عليه ، واذكر { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي : القرآن حين الوحي بلسان جبريل عليك { فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 18 ] أي : تذكر وتتبع قراءته . { ثُمَّ } تتبع تلاوته وتكرر حتى ينتقش في صحيفة خاطرك ، ويترسَّخ في ذهنك ، ثمَّ أجر على لسانك مراراً كذلك ، ثمَّ إن بقي لك شك وتردد في معناه { إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 19 ] أي : تبيينه وتوضحه لك ، وإزالة ترددك إشكالك عنه . ثمَّ قال سبحانه : { كَلاَّ } ردعاً لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وكفاً لعموم عباده عن العجلة في جميع الأمور مبالغةً وتأكيداً ؛ لأن الإنسان مجبول على الاستعجال ، مطبوع عليه ؛ لذلك بالغ سبحانه في النهي عنه ، وأردف بهذا النهي حسب العاجل والآجل ، فقال على سبيل الإضراب : { بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } [ القيامة : 20 - 21 ] يعني : إن بني آدم كلهم مجبولون على العجلة ؛ لذلك يحبون ويختارون اللذة العاجلة الدنيوية مع سرعة انقضائها وزوالها ، على اللذة الآجلة الآخروية مع بقائها ودوامها ، وعدم انقضائها أصلاً ، ويتركون الأعمال المقتضية لها . لذلك { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } أي : يوم قيام الساعة { نَّاضِرَةٌ } [ القيامة : 22 ] طريَّة بهيَّة مشرقة ، يتلألأ منها أنوار اليقين والعرفان ، وآثار الأعمال الصالحة والأخلاق المرضية ، وهي وجوه أرباب العناية الموفَّقين على صلاح الدارين ، وفلاح النشأتين . لذلك حينئذٍ { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 23 ] وبمطالعة لقائه مشرفة مسرورة . { وَوُجُوهٌ } أُخر { يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } عبوسة كلوحة ، متغيرة مسودة . بحيث { تَظُنُّ } بل يجزم كلُّ من نظر إليها { أَن يُفْعَلَ بِهَا } ويعرض عليها { فَاقِرَةٌ } [ القيامة : 25 ] داهية شديدة ، ومصيبة عظيمة تكسر فقار ظهرها من هولها وشدتها .